المنشور

الفخاخ الطائفية


في كل قضية من القضايا الماثلة أمامنا يكمن فخ طائفي. أنها ظاهرة آخذة في التمدد الأخطبوطي بحيث باتت تطال كل شيء. والأمثلة أكثر من أن تحصى. يمكن لمشروع إسكاني  أن يتحول بقدرة قادر إلى موضوع تنازع طائفي، أيذهب للسنة أم للشيعة. الإسلام السياسي عندنا بارع في تحويل الأمر بهذه الصورة، حين يتبارى المتبارون من قادته على المكاسب الانتخابية، فيحولوا الموضوع من قضية معيشية وحياتية حيوية إلى نزاع بين أصحاب المذاهب.

يمكن أيضاً  لإجراءات إدارية، أياً كان موقفنا منها،  كما حدث في التسريحات التي تمت في شركة ألمنيوم البحرين”ألبا”، وطالت عدداً من كبار المدراء أن تتحول، هي الأخرى، إلى قضية مذهبية وطائفية بامتياز، فينحرف النقاش عن جوهره الأساس، من حيث هو إجراء إداري خاضع للمجادلة، أصحيح هو أم خطأ، إلى نقاش فحواه أن الموضوع  يستهدف أبناء طائفة بعينها، وفي هذا تُغيب كل الملابسات والتعقيدات المحيطة بالموضوع.

الأمر نفسه يصح على ملف اجتماعي كبير ومعقد هو موضوع التجنيس، ورغم موقفنا النقدي الواضح والمعروف من هذا الموضوع، الا أننا ما انفكينا نحذر من تحويل الموضوع إلى مسألة طائفية صرفة، بحيث لا يسلط الضوء المطلوب على الأبعاد الاجتماعية والتنموية، وحتى الأمنية، للظاهرة.

متى يدرك المتصدون لهذا الملف أنهم سيظلون عاجزين عن إقناع المواطن السني بالموضوع، إذا كان المدخل المطروح في المعالجة هو إظهار الموضوع على انه انتصار للشيعة  ضد مساعي زيادة أعداد السنة، بدل أن يقال له أن التجنيس يحمل أضرارا على الجميع وبدون استثناء، وأن القضية ليست في الغلبة العددية لهذه الطائفة أو تلك، وليست، في المقابل، توكيد على عروبة البحرين، كما قال الأخ النائب غانم البوعينين، كأن البحرين ناقصة العروبة، وبحاجة لاستكمالها، وكأن البحرينيين من مختلف التحدرات والانتماءات لم يقفوا وقفة واحدة منتصرين لعروبة البحرين واستقلالها وسيادتها على أراضيها.

للأسف الشديد هناك جهات تغذي هذه الميول وتشجع عليها وتدفع بها، وتريد لها أن تتحول إلى نسق عام في التفكير والسلوك يسود المجتمع برمته، فيصبح كل ملف من الملفات التي نتناولها ملغوماً بقنبلة طائفية أو مذهبية ما.

سقى الله تلك الأيام التي وحدت الجميع سنة وشيعة في الانتفاضات والتحركات الشعبية والعمالية، ومنها تلك التي كانت ضد تسريحات شركة النفط، حين التحم العمال في المصانع، والطلبة في المدارس، سنة وشيعة كتفاً إلى كتف في النضال الوطني والطبقي بأبعاده الاجتماعية الواضحة بين فقراء محرومين وشركات احتكارية أو أصحاب أعمال  يستغلونهم، ويومها لم يقل أحد للشيعي كُف عن أن تكون شيعياً، وبالمقابل لم يقل للسني كُف عن أن تكون سنياً، لكننا والجيل الأسبق منا من الوطنيين والتقدميين دأبنا على توعية الجميع بأن هناك قضية أكبر وأوسع وأشمل توحدهم في مسار وطني – اجتماعي واحد يترفع على تخندقات الطوائف والمذاهب.

هاهنا نحن اليوم شهود عيان على الفخاخ الطائفية التي نصبت في كل زاوية و”داعوس”، وما من قضية الا ومستها يد الطائفيين والمذهبيين الذين حولوا المجتمع إلى ساحة مبارزة بينهم. كم من الفخاخ علينا أن ننزع، كم من الجهد علينا أن نبذل لنعيد للبلاد بعض عافيتها التي كانت؟

 
صحيفة الايام
9 نوفمبر 2009