المنشور

” ‬كوسي‮ ” .. ‬بلبل أحمد الشملان

 


يحتفل المنبر الديمقراطي التقدمي بأيام الشملان الثقافية ، ببرنامج منوع ثقافي تشارك فيه نخبة من فناني وأدباء الوطن خلال الفترة من 14 إلى 25 نوفمبر 2009 . 

وأن نحتفل بالشملان الإنسان أولاً ، يعني أن نحتفل برجل مسك الأدب بيد وباليد الأخرى مسك النضال الوطني ، مدافعاً عن الإنسان وعن كرامته. ولن أدخل بتعريف الشملان للقراء، لأني واثق أن أكثر القراء يعرفون الشملان، ويعرفون تاريخه الناصع الذي لا يحتاج لأن اعرفهم به. 
لقد مرّ في فترة تاريخية من تلك الجزيرة، مر جسر أحلام هؤلاء ، فكان للشاعر قاسم حداد وعلي الشرقاوي وعبد الحميد القائد وأنا وآخرين ، كانوا يفتلون وجع صبرهم بفتيل الانتظار ويحلمون بالعودة للوطن، على رغم أن هذه الجزيرة هي جزء لا يتجزأ من جغرافية الوطن. 
في تلك الجزيرة سكن أحمد الشملان مع صديقه عبد الله مطويع، وآخرين ، لم يقطع جدلهم سوى غفوة ليل، جاب سكونه ‘ بسطار ‘ العسس ، يعزف لحنه بلحن مجيد المرهون الذي لا ينقطع إلا بعد اشراقة شمس الصباح .

كنت أرى الشملان، يسرق النظر من نافذة زنزانته، يرقب المارون من السجناء ويكتب في ورقة من أوراق السجاير قصيدته الجديدة، دون كل أو ملل، وكان بجنه بلبل ألف الشملان صداقته، لأن البلبل تربى على يد الشملان منذ كان صغيراً، حيث أهداه له احد السجناء الذين كانوا يقضون وقتهم في العمل في زراعة الجزيرة ورعاية نخلها وأشجارها، وكان من هؤلاء السجناء الذين يتمتعون بفسحة من الحرية أوسع من السجناء الآخرين، قد تكون محكوميتهم قصيرة وقد يكونون قد تجاوزوا في محكوميتهم العشر سنوات، فجاز لهم مأمور السجن حرية أوسع من السجناء الآخرين. 

الشملان كان ينادي هذا البلبل’ بكوسي’ وكوسي كان وفياً لأنه كره عندما كبر مغادرة الشملان ، لكن الشملان أصر عليه أن يغادر ويتمتع بحريته، لكن وفاء كوسي حمله أن يبني عشه فوق شجرة قريبة من نافذة زنزانة الشملان، وظل كوسي في كل صباح يوقظ الشملان بتغريده، فيقوم الشملان ليطعمه من فتاة الخبز الذي يجمعه في كل يوم خصيصاً لكوسي .

هكذا كان الشملان حنوناً على محبيه، وهكذا العلاقة التي بناها بينه وبين الكائنات الأخرى هي علاقة حنو ومحبة، و هذا الطائر أحب الشملان وظل له مخلصاً، فكيف بالإنسان الذي عاشر الشملان ، وعرف خصاله، لأن البيت دون عمد لا بد له أن ينهار، فالشملان عمد المحبين وروح لا تنطفئ جذوتها ، لأنها روح خلاقة بالحب والحياة .

وللشملان ..  حكاية الأخضر الباقي  فنار نهتدي به ونحبه  كلما تجاسر العمر، وقست لياليه الظلام  فنار يسكنه الأزرق .. وتحتضنه حكايات اليامال .. بين نخل وبحر .. ونهار تكبر فيه المدائن بالحلم .

هذه صورة بسيطة للشملان، ورفاقه الذين غزلوا جراحهم بملح الكلام، فكان شعراً وموسيقى وحياة.
أخيراً أقول خير ما فعلت أيها المنبر الديمقراطي، باحتفالك بهذا الإنسان، الشاعر الذي في رسالاته أكثر الحكايات معنى للحب .   


الوطن 2009-10-31