المنشور

العمالة السائبة مجدداً.. أين الخلل ؟!

يعود الحديث مجدداً عن قضية العمالة السائبة والتي كنا نحسب أنها بدأت في التلاشي تدريجيا، الحديث هذه المرة يأتي من قيادات في جمعية المقاولين البحرينية، لا أحسب انه مرتبط فقط بحمى انتخابات الغرفة القادمة، بقدر ما يؤشر على خلل ظل مستفحلا لعقود عجزت عن التعاطي الايجابي معه حتى الآن مجموعة التشريعات المصادق عليها، بعد أن دارت حولها نقاشات مستفيضة لم تخل أبدا من تدخل أطراف عديدة ذات مصالح متباينة. فقد لفت نظري ما تحدث عنه مؤخرا كل من رئيس جمعية المقاولين عيسى عبدالرحيم ونائبة إبراهيم يوسف عن حجم تلك العمالة، اللذين أكدا أن حجم العمالة السائبة المنتشرة في أسواقنا تصل إلى 40 ألف عامل، وأن التناقص كان ضئيلا خلال السنوات التي أعقبت تطبيق قانون تنظيم سوق العمل الذي عولنا عليه كثيرا في انتشال السوق من تلك التجارة الرائجة وغير الحضارية. ما يثير حقا هو تأكيدهما على أن استغلال العمالة الوافدة لازال احد مصادر الثراء لدى البعض ممن أوصلوا سعر تأشيرة العمالة إلى ما يقارب ألفي دينار بحريني، مما يطرح معه الكثير من التساؤلات حول جدوى التنظيم والعمل عليه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه وربما أكثر، فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على تطبيق قانون التنظيم الذي اذكر جيدا حجم المماحكات والوعود التي دارت حوله وقدمت آنذاك لطمأنة من يعنيهم الأمر، وكنت أحد المدافعين الأشاوس عن القانون نظرا لما كان يحمله من مضامين ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وإنسانية، كنا نرى فيها مدخلا أوليا لإصلاح ما أفسدته السياسات السابقة، وما أفرزته من جشع لدى الكثيرين ممن يتاجرون بعرق الفقراء والعمال، وبعد أن كثرت شكاوى العديد من السفارات الأجنبية جراء ذلك، مما حرك فينا ولازال الدفاع عن أهمية إيجاد مثل تلك التشريعات الناظمة، علاوة على ما كان يحويه سوقنا العام من تشوهات وإعاقات أضرت كثيرا بنمو السوق وكبحت تطوره تلك الصورة المشوهة، التي أظهرت سوقنا وكأنها في بعض وجوهها سوقا لبيع وشراء تلك العمالة المهولة من المستخدمين لحساب نزوات الثراء السريع التي يبدو أنها لازالت قائمة بكل أسف. لازلت اذكر جيدا كيف حاول بعض المستفيدين من القانون القديم كسر حماسنا تجاه تطوير قانون سوق العمل والتشريعات المرادفة له، حيث تتباين المصالح والأهواء، وكان يحدونا حينها طموح ترشيد السوق والانحياز لمصلحة الاقتصاد الوطني وبالتالي مصالح كل من التجار والعمالة البحرينية. الآن وبعد مرور تلك الفترة الكافية من الزمن على تفعيل القانون نستطيع القول أن من راهنوا على إعاقة تنظيم سوق العمل، قد نجحوا إلى حد كبير في تكثيف الانطباع السلبي انطلاقا من مرتكزين أساسيين، أولهما أن الرسوم المفروضة على المؤسسات قد عجلت بخروج المئات من الشركات من السوق، وهذه النقطة بالذات تحوّط لها المشروع في البداية وقدمت بشأنها وعود والتزامات انعكست في ثنايا المشروع وتفاصيله الدقيقة، لكنها الآن تبدو مؤجله لسبب لا نعرفه، على الأقل هذا ما تقوله التصريحات الأخيرة بشأن استمرار وجود هذا العدد المهول من العمالة السائبة، أما الشق الثاني الذي تم تكثيفه من قبل من ينأون المشروع فهو أن القانون لم يطبق إلا على المؤسسات الصغيرة دون الكبيرة، وهذا أمر يمكننا ملاحظته في دعوة جمعية المقاولين للتوازن وتطبيق العقوبات على من يتاجرون بتلك العمالة السائبة دون عقوبات وضوابط. اذكر أيضا النقاش البرلماني الساخن حول العمالة السائبة في بعض جلسات الفصل التشريعي الأول، حيث كان وزير العمل مجيد العلوي من أشد المطالبين بعدم ازدواجية القرارات الرسمية حتى يسهل ضبط المخالفين، وها نحن نجد ذات الشكوى تعود مجددا من قبل رجال الأعمال في دعوتهم لتشكيل لجنة تجمع وزارات العدل والعمل والداخلية والصحة لضبط الأمر وكأن شيئا لم يتغير! مؤشرات عدة لا تنبئ أبدا عن الجدية رغم وجود القانون والحديث المستمر حوله، ترى أين تكمن الإعاقات ومن يقف وراءها، ولماذا تكسر إرادة إصلاح السوق، وهل الخلل في القانون أم في التطبيق أم في الاثنين معاً ..وأين يكمن الخلل؟!
 
صحيفة الايام
1 نوفمبر 2009