المنشور

حتى ينجح مشروع تأهيل الجامعيين!

 يمكن لمنصف أن ينفي مجموعة الجهود المخلصة التي تقوم بها عدة جهات على مستوى الدولة لتأهيل وتوظيف البحرينيين في المواقع المختلفة للعمل في القطاعين الخاص والعام، فهي جهود محل تقدير ومتابعة من قبل كل المهتمين بهذه القضية التي شكلت ولازالت تشكل أولوية خلال السنوات الأربع الأخيرة، وتحديدا منذ تدشين إجراءات تنظيم سوق العمل، على الرغم مما شاب خطوات التنفيذ من ارتدادات اعتقد أنها يجب أن تظل مفهومة ومبررة ولابد من التعاطي معها بشكل جدي لحلحلة ما يمكن منها توخيا لمصالح جميع الأطراف. ما نحن بصدد الحديث عنه في هذه العجالة له علاقة مباشرة بالمشروع الهام الذي دشنه سمو ولي العهد مؤخرا، والخاص بـتأهيل وتوظيف الخريجين الجامعيين، هذا المشروع الذي أثق أن عوامل نجاحه أصبحت متوفرة طالما تم الالتزام عمليا بربط أهدافه الأساسية ربطا موضوعيا سليما بعيدا عن الشعارات الاحتفالية التي ربما هي مطلوبة في البدايات، لكنها حتماً تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها واقعا معاشا على الأرض، وبالتالي فهي تحتاج إلى تكامل أدوار كافة الجهات المعنية بها، وهي ليست صعبة أبداً طالما ابتعدت تلك الجهات عن بيروقراطية الأداء والقرارات المعيقة واستحضرت المصلحة الوطنية. أتفق تماما مع ما ذكره سمو ولي العهد من أن عصر النفط قد انتهى، رغم أننا في البحرين يفترض أنه انتهى بالنسبة لنا منذ زمن حقيقة، عندما كانت هناك توجهات رسمية منذ السبعينات، حين تم الاتجاه نحو الصناعات التحويلية كالألمنيوم حتى أصبحنا كدولة مساهمين في أحد أكبر المصاهر حول العالم، وكذلك الحال مع خطوات تطوير قطاع المال والبنوك، حيث أضحى قطاع البنوك لدينا يمثل الآن أكثر من27% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا انجاز لا يمكن إهماله، أقول يفترض لأن جهود الدولة مذاك الحين توقفت عند بعض النجاحات، خاصة مع ما مثلته إغراءات أسعار النفط التي انتعشت حتى منتصف الثمانينات وكانت سببا في تعطيل جهود تنويع الاقتصاد الوطني. ذات الوضع تكرر مرارا وكنا على الدوام بين مد وجزر وسط غياب رؤية تنموية استراتيجية على مستوى الوطن، لنشهد خلال السنوات القليلة الماضية طفرة غير مسبوقة في أسعار النفط وصلت معها الأسعار إلى أكثر من 147 دولارا للبرميل، للأسف لم تنتعش لأجلها توجهات تنويع الاقتصاد بل تمت الاستكانة والقبول بما وفرته الفوائض الضخمة من مزاج رائق حينها لسوق العقارات، وكانت موجة لم تهدأ إلا بعد أن ضربنا الكساد العالمي، وها نحن نفيق مجددا على أمل أن نستفيد من أخطاء بعض الرهانات التي أبقت البعض في حالات من الذهول، جراء ما فرضته تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. من وجهة نظري، الأمر لدينا وبشيء من بعد النظر يمكن أن يصبح مختلفا، فلدينا الآن ولأول مرة رؤية وطنية استراتيجية للتنمية تنتهي مرحلتها الأولى في 2014 وهي تفرض استحقاقات لابد من تسريع عملية الوصول لأهدافها، وطموحات هذه الرؤية كبيرة تترجمها المتابعات المستمرة لسمو ولي العهد تحديدا، لإنجاح مشاريع التنويع الاقتصادي، الذي دعا في حديثه لرجال الأعمال عند تدشين مشروع تأهيل الجامعيين “إلى بناء الاقتصاد المعرفي واقتصاد اغتنام الفرص مثلما دعا للصبر والعمل الصادق لبلوغ النجاحات” وهذا أمر مطلوب رغم أنه يُحمّل الجميع من حكومة ورجال أعمال وخريجين وحركة عمالية مسؤوليات بل التزامات متبادلة، يجب أن تنطلق من مبدأ تعزيز عوامل الشراكة والتأسيس لثقة بين جميع الأطراف، وذلك حتى يتحقق عمليا شعار المرحلة بجعل البحرينيين الخيار الأفضل للقطاع الخاص والعكس صحيح كما ذكر ذلك سعادة وزير العمل. أمر آخر مهم يجب الانتباه إليه جيدا، وهو الحاجة لتكامل عدة سياسات مع بعضها، فبالإضافة إلى ما ذكرت من جهات، فان الاستمرار في دعم جودة التعليم ومخرجاته وتطوير المناهج والتـأكد من أن آليات التدريب والتوظيف لا تخضعان للمحسوبية والانتقائية في مختلف القطاعات المهنية بل للكفاءة وحدها، وهي حوافز أساسية داعمة لبلوغ غايات مشروع تدريب الجامعيين الخريجين، حيث لا يجب الركون فقط لشعاريتها دون الـتأكد من استمرارية تلبيتها لحاجات وأهداف عملية التنمية المستدامة حتى تكون جميع الأطراف بالفعل وفية لمحاور الرؤية الاستراتيجية الثلاثة المتمثلة في الاستدامة والعدالة والتنافسية.
 
صحيفة الايام
25 اكتوبر 2009