المنشور

يـــــوم المسؤوليــــة.. !

تحتفل الدول بأيام عالمية كثيرة.. ويكاد لا يمر شهر واحد إلا وفيه يوم عالمي أو أكثر تحتفي به الدول بمظاهر شتى، فهناك يوم عالمي للعمال، ويوم عالمي لحرية الصحافة، ويوم عالمي لمناهضة التعذيب، ويوم عالمي للاتصالات، ويوم عالمي للمرأة، ويوم عالمي للتمريض، ويوم عالمي للديمقراطية، وأخيراً وليس آخرا هناك يوم عالمي لمكافحة الفساد، وعلينا أن نلاحظ أن هذا اليوم هو من بين المناسبات التي من الواضح أننا نتجاهلها حيث لا نحتفي بها ولا نذكرها ولا ننوه بها لا من قريب ولا من بعيد، وفي وسع المرء أن يسأل نفسه عن السبب أو أن يحلل الأمر كيفما شاء. في تلك المناسبات يسلط الضوء وتحشد الجهود على قضايا أو مشاكل بعينها وقد يتم الغوص في أعماقها للبحث عن أسبابها وجذورها وربما توضع ضمن أولويات بعض وبرامج عمل بعض الحكومات، وما دمنا كما يردد مسؤولون كثر بأننا سباقون في كل شيء، فما رأيكم لو أخذنا زمام السبق والمبادرة هذه المرة واقترحنا على الأمم المتحدة أن تتبنى يوماً عالمياً نسميه »اليوم العالمي للمسؤولية وإبراء الذمة« واذا تعذر ذلك وهو الأرجح لنجعله يوماً وطنياً بنفس المسمى، يوماً نستهدف فيه التذكير واعلاء قيم وثقافة منظومة المسؤولية ونغرس الوعي بموجباتها وما تقتضيه من نزاهة لدى كل من يتحمل المسؤولية في أي موقع من مواقع المسؤولية العامة، وعلينا أيضاً أن نستهدف في هذه المناسبة إرساء قيم المساءلة والمحاسبة، واعتقد والله أعلم أن هذا موضوع يمكن أن يكون لدى مختلف القوى في مجتمعنا محل مساحة واسعة من الاتفاق تتجاوز أي مساحة للاختلاف. واذا ما اتفقنا أن المسؤولية في أبسط تحليل تعني تفويضاً، أو هي شعور بالتكليف لا التشريف، مع ما يجب أن يقترن ذلك من ملازمة لمعايير تتصل بالكفاءة والأمانة والنزاهة، فإنه من المناسب أن ندرك أنه في الدول المتقدمة التي سئمنا من ضرب الأمثلة بما تمارسه تتحدد جوانب المسؤولية بخلق نظم متطورة في العمل والإدارة والإنتاج تحول دون اختلال موازين منظومة قيم المسؤولية، وفي هذه الدول لا يبقى المسؤول في موقعه لسنوات تلو سنوات تتجاوز عقدا أو عقودا من الزمن، هناك لا تحتكر مواقع المسؤولية، بل يضخون دائماً دماء جديدة في شرايين المجتمع والعمل العام، وفي هذه الدول لا تكون الأولويات مختلة أو غير واضحة، ولا الخيارات معيبة، ولا تمنح الفرصة تلو الفرصة لمسؤولين كل مؤهلاتهم أنهم محسوبون على أحد من الأوزان الثقيلة، أو أن هناك من يدفع بهم الى السطح ليكونوا أوعية لبعض التجمعات والتيارات والكتل الدينية أو السياسية لانتصار أهل الثقة والمحسوبية على حساب الكفاءة في مواقع العمل، في تلك الدول التي قلنا بأننا سئمنا من ضرب الأمثلة بما تمارسه الحاكمية فيها للقانون، والأجواء السائدة تخلق مناخات لا تفتح الباب للتسلق والانتهازية وتداخل المصالح الخاصة مع المسؤولية العامة، ولعلنا ندرك جيداً كم هو مؤلم حينما تكون لغة المصالح الخاصة هي الأقوى تأثيراً، والأعلى صوتاً، والأكثر حضوراً. في تلك الدول لا يتم إبعاد مجموعة كاملة من الأجيال من أصحاب الكفاءة عن تحمل المسؤولية، والوزير أو المسؤول هناك لا يشغل أو ينشغل في مناصب هنا وهناك أو في مهام وأعباء في مجالس ادارات شركات ومؤسسات ولجان وطنية، ولجان فنية، وأخرى منبثقة، “وكأن ما في البلد إلا هالولد”!، وهناك الوزير والمسؤول حين يكون غير قادر على مواجهة أعباء المسؤولية ليس عليه سوى أن يرحل، وهناك ليس عيباً ولا حراماً الرحيل وإنما هو سلوك يعني احترام الناس وليس ضرباً بعرض الحائط لمصالحهم، ومن لا يرحل يقال أو يعزل حيث المساءلة لها حضور كاف في ساحة الأداء العام في كل ميدان من ميادين العمل الوطني، وهناك المسؤولية تسند لمن يتحملها وتفرض على كل من يتولى المسؤولية أن يؤمن بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة والتراجع عن الأخطاء دافع قوي للمضي قدماً نحو الأمام، وهناك من يساءل ويحاسب ويعاقب على الخطأ.. وهنا المسؤول يخطأ.. خطأ تلو خطأ ولا أحد يسأل أو يقوّم أو يحاسب، بل يستمر المسؤول في أداء العمل ان لم تسند إليه مهام ومسؤوليات إضافية، وانظروا وتمعنوا في تقارير ديوان الرقابة المالية لتكتشفوا كم من الأخطاء والتجاوزات تتكرر نقول ذلك ونحن نتابع هذه الأيام كيف تتقاذف المسؤولية أولاً في شأن تجريف آثار مدينة حمد وتهجم جهة رسمية على جهة رسمية أخرى، في صورة تعيد الى الذاكرة تقاذف المسؤوليات بين عدة جهات رسمية على خلفية غرق سفينة الدانة قبل عدة سنوات التي راح ضحيتها العشرات بين وفيات واصابات ولم نجد جهة واحدة اعترفت بالخطأ أو خضعت للسؤال والحساب حتى الآن. تابعنا ثانياً موقف مجلس الشورى الرافض إخضاع الهيئات والمؤسسات والشراكات التي تمتلك الحكومة ما يزيد على 50% من اسهمها لتكون تحت مظلة وزير يكون مسؤولاً عنها أمام مجلس النواب، وتابعنا ثالثاً تضارب تصريحات مسؤولين في شأن تطعيمات الحجاج من انفلونزا الخنازير في صورتين تحملان الكثير من علامات الاستفهام والتعجب.. !! ذلك غيض من فيض.. وما نريد أن نخلص إليه أننا في حاجة ملحة الى إرساء منظومة قيم المسؤولية والنزاهة والمحاسبة، وما دامت لدينا اليوم رؤية اصلاحية تنموية واقتصادية 2030 فهل يكون إرساء هذه المنظومة من أولويات هذه الرؤية؟ لأنه بدون ذلك سنظل نراهن على جدية تطبيق هذه الرؤية وغيرها من الجهود والمبادرات التطوير والإصلاحية. أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت.
 
صحيفة الايام
24 اكتوبر 2009