المنشور

الحرس الثوري والبلوش

كان حادثاً فظيعاً ورهيباً هذا الذي أودى بحياة مجموعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني من خلال عملية إرهابية نفذتها مجموعةٌ بلوشية. لقد دخلتْ هذه المجموعةُ في لائحةِ المنظمات الإرهابية وليس في لائحةِ المناضلين من أجلِ تحرر وتقدم شعبها المضطهد.
لا شك ان هذا المسلسل الدامي في بلوشستان هو جزءٌ من نتائج استبداد المركز السياسي في طهران، ومن قيام الحرس الثوري بقمع الشعوب، وعلى رأسهم الشعب الفارسي نفسه، الذي يطالب بالحريات الديمقراطية.
ليست من مصلحة الشعوب الإسلامية وخاصة الشعوب المتجاورة في الخليج، أن تجرى مثل هذه العمليات القمعية والإرهابية معاً، وتقدم المجموعةُ السياسيةُ البلوشية مادةً ثمينة للدكتاتورية العسكرية الإيرانية المتصاعدة من أجل أن تقبض على السلطة بكل أسنانها.
والأخطر من هذا أن تقوم بمغامرات عسكرية داخل بلد مستقل هو باكستان بحجة مطاردة المجموعات الإرهابية.
وبالتأكيد فإن عبور الجيش الإيراني لدولة مستقلة ذات سيادة سيكون محفوفاً بالعواقب الرهيبة على الشعبين وعلى شعوب المنطقة وعلى السلام الهش فيها.
كما أن ذلك سيكون حجة للقوى العالمية المتربصة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية للانتقام والتحطيم.
توجه المجموعة الإرهابية لضرب الحرس الثوري بحجة انه يمثل الأداة الأكثر قمعية في النظام الإيراني، وانه يمارس أنشطة كبيرة في الإقليم، لا يستدعي الإرهاب، وقتل الضباط والجنود والناس، فالتنديد والاحتجاج ضد هذه الممارسات المرفوضة، وتحويلها إلى مقاومة سياسية ناشطة، هو السبيل من أجل حصرها وعزلها وهزيمتها، أما الذبح وعمليات القتل الجماعي والانتحار، فهو كارثة بكل المقاييس وجر المنطقة لأتون الحرب!
تقول السلطات الإيرانية إن هذه الأنشطة الإرهابية مرتبطة بقوى استخباراتية أمريكية وبريطانية، وهذه أشياء ليست مستبعدة، فهناك دعم مالي لهذه المجموعات كما أعلنت عنها إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش، ولكن على السلطات الإيرانية أن تتبصر الموقف جيداً، وترى كم هي تدخلت في شؤون البلدان الأخرى، وقامت بتحريض العناصر والقوى السياسية والعسكرية في البلدان العربية وشكلت قوساً واسعاً من النار يمتد شمالاً من لبنان حتى اليمن؟
والآن الحلقات تضيق على هذه السلطات، وقد جرت الاحتجاجات الواسعة على هذه السياسة من قبل المتضررين منها، وهي سياسة ليست من صنع رجال الدين ولا من قوى الشعب الإيراني المسالمة، ولكنها من صنع قوى عسكرية متنفذة تعد لخطط رهيبة وتعرض حياة الملايين في المنطقة للخطر الفادح.
إن القوى المسالمة والديمقراطية كافة لشعوب المنطقة تعمل من أجل وقف هذه السياسة الرهيبة، وهي ليست سياسة تآمرية، بل هي سياسة الرغبة في الحياة والتعاون.
وهي سياسة قوى الشعوب الإسلامية للتعاون بينها ووضع حد لعهود القمع والعداء وسوء المعاملة.
فإذا كنتم لا تريدون أن تسود العواصم الغربية فلا تتبعوا سياسات الأنظمة الاستبدادية السابقة التي جرّت جميع هذه القوى للخليج وجعلتها تتحكم في الشعوب!
وتجيء العملية الإرهابية الأخيرة لتؤكد أن الشعوب الأخرى قادرة على استعمال سياسة إسالة الدماء نفسها، ولكن ما هي الفائدة من المذابح المتبادلة؟
لابد من فتح قنوات الحوار مع الشعوب المضطهدة ورؤية مطالبها وإعطائها حريات تكفل لها البقاء ضمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتكون شقيقة للشعب الفارسي.
وقد عانت هذه الشعوب طويلاً من هذه السيطرة والتدخلات في شئون حياتها وعباداتها بحيث غدا الإرهاب شكلين سائدين في المركز والأطراف.
كما أن لجوء القوى السياسية الأخرى للإرهاب واحتقار مذهب المسلمين الفرس، وتعميم الأحكام على هذا الشعب، وعدم تحديد المخطئين، وعدم التعاون بين جميع الشعوب الإيرانية والقوى الوطنية فيها، هي كلها من قبيل أمراض الطفولة السياسية المدمرة.
مزيداً من الضغوط على القوى العسكرية والإرهابية المنفلتة والمزيد من الرفض لأعمالها، وتحجيم برامجها الكارثية التي تتوسع بشكل خطر مهددة كل الشعوب بمحرقة.

صحيفة اخبار الخليج
23 اكتوبر 2009