المنشور

العملة الخليجية.. فرص وتهديدات

وموضوعنا قيد الكتابة تجتمع في مسقط لجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون الخليجي. وسيدرس الاجتماع رؤية قطر الشقيقة في تفعيل دور المجلس اقتصاديا ومحاضر اللجان الاقتصادية المتخصصة. وأكثر ما يثير الارتياح هو تركز تصريحات الأمين العام ومسؤولين ماليين خليجيين على التمسك بالوحدة النقدية وإعلان تشكيل مجلس نقدي خليجي بحلول يناير/ كانون الثاني .2010
وطبيعي أن المحللين الاقتصاديين في المنطقة والعالم سيتناولون نتائج هذا اللقاء في ظرفه المهم. ومن بين كل مسائل الوحدة النقدية سيكون الأكثر إثارة للقلق ليس الإجماع الخليجي عليها (فلا شك أنه حاصل يوماً)، بل الجوهر الاقتصادي – المالي والسياسي السيادي للعملة الخليجية. ولن يغيب عن بال أي حصيف أن الحديث يدور هنا، ومجددا، عن علاقة عملتنا الموعودة بالدولار. هل سيظل هو قابلتها القانونية كما تشي بعض التصريحات، أم كما قال محافظ البنك المركزي الكويتي بأن ‘الكويت لا ترى أي فائدة في ربط عملتها مرة أخرى بالدولار الأميركي’؟
من خلال علاقة أغلب عملاتنا الخليجية به تصعب على البعض رؤية الخط التاريخي الحرج الذي يقترب منه الدولار. في الأسبوعين الماضيين انقطعتُ عن الكتابة إذ كنت في موسكو. وفي يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول هبط سعر صرف الدولار هناك فجأة إلى ما دون 30 روبلا. حدث ذلك إثر خبر صغير نشرته The Independent البريطانية عن أن الدول الخليجية وروسيا والصين واليابان وفرنسا دخلت في مفاوضات حول استبدال الدولار في مبيعات النفط. وقد سارع مسؤولون خليجيون وأجانب (المجتمعون في قمة صندوق النقد الدولي في أسطنبول) إلى نفي الخبر كلية أو مواربة. غير أن الدولار لم يتمكن من استعادة خسائره التي تزايدت في اليوم نفسه، خصوصاً وأن الخبر توافق مع آخر مفاده أن قادة دول مجموعة BRIC قد اتفقوا على التخلي عن الدولار. فالمسألة لا تكمن في ذات الحدثين بقدر ما أنهما جاءا في سياق تفاقم عملية الهروب الكبير للمستثمرين عن الدولار نظراً للتكهنات المتزايدة حول ضعفه أو حتى انهياره المحتم. فهذه الشكوك تحوم في الأسواق منذ بداية العام الجاري، حيث أطلق الرئيس أوباما العنان لماكينة طباعة الدولارات في عمليات إصدار إضافية.
وكالة رويترز تحدثت عن تفاصيل أكثر: نية البلدان الأوروآسيوية استبدال الدولار في التسع سنوات المقبلة بسلة عملات تتشكل من الين، اليوان، واليورو، الذهب إضافة إلى العملة الخليجية المقبلة. هذا الانحدار الدرامي للدولار فتح شهية المستثمرين لإظهار نواياهم للاستثمار في الأسواق الناشئة. وهذا، إضافة إلى انخفاض الدولار، دفع على الفور بأسعار المواد الخام للأعلى. ففي ذلك اليوم زاد سعر برميل النفط عن 71 د/ب، ثم تواصل الارتفاع ليبلغ 78 د/ب يوم الجمعة. أسعار النحاس المستقبلية ارتفعت في بورصة لندن من 5920 إلى 6046 د/ك. أما بعض المستثمرين فاختار الأصول التي اجتازت الاختبار دائما، أي الذهب الذي ارتفعت أسعاره 18 دولارا لتصل في NYMEX إلى 1036.6 دولار للأونصة، ويتوقع محللون أن تضرب رقماً قياسياً مع بداية العام المقبل لتصل إلى 1100 دولار، وإلى 1500 دولار العام ,2011 بينما سيرتفع سعر النفط إلى 100 د/ب حسب محللي Bank of America – Merrill Lynch.
من المحللين من لا يزال يردد بأن تقلص الموجودات الدولارية ليس إلا ظاهرة مؤقتة، وأن الاتجاه لن يلبث وينعكس بمجرد أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة. وبين هذين الاتجاهين فإن المسلَّم به هو أن الهستيريا تزداد بشأن مصير الدولار كعملة احتياطي نقدية عالمية. وكل نداءات السلطات الأميركية للثقة بالدولار القوي لم تعد تغير في اصطفاف القوى الناشئ في أسواق المال. هاهو المحلل السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والاستراتيجي الرئيسي حالياً في مصرف باركليز ستيفبن إنجلاندر يقول ‘أصبحت المصارف المركزية تتخذ مواقف أكثر جدية وعملية في تنويع احتياطاتها بدلا من اقتصارها على مجرد الأحاديث. ويبدو أنها بالفعل أصبحت تتخلى عن الدولار’ ويدلل بأنه في حين شكل ثقل الدولار في الاحتياطات النقدية الجديدة للمصارف العالمية منذ العام 1999 نسبة 63%، فإن الصورة انقلبت على العكس تماماً لتصبح 37% في الربع الثاني من العام الجاري.. ‘أما في الربع الثالث فواضح أن هذا الاتجاه سيتسارع’.
من أجل دعم صادراتها ستظل أميركا، من دون مجاهرة، تبارك انخفاض عملتها حتى القدر الذي لا يثير ذعر مستثمرين جدد. أما عملتنا الخليجية فليست بحاجة إلى الانخفاض، بل الارتفاع. ببساطة، لأن أسواق صادراتنا الأساسية هي دائماً أسواق البائع، لا المشتري.
 
صحيفة الوقت
19 اكتوبر 2009