المنشور

مدى قانونية قرار الجامعة بشأن نور حسين

في البداية يتوجب الاعتذار لمن يلمس جفافا في لغة هذه المقالة أو تغليبا للجانب القانوني، فالمقاربات القانونية البحتة لقضايا عامة وتحويلها لمادة صحافية مقروءة ومشوّقة ليست مسألة يسيرة كما تصورتها، ولابد من الاعتراف بأن قلمي عجز عن تحقيق هذه الغاية التي لم أحرص عليها بقدر حرصي على بيان الجوانب القانونية وتبادل الآراء التي قد تطرح في هذا الشأن لتعميم الاستفادة.
ليست كافية ولكنها خطوة إيجابية تحسب لمجلس جامعة البحرين الذي استجاب لنداء العقل والضمير، حين أوقف تنفيذ الجزاء الذي أصدرَته لجنة التحقيق بإلغاء فصلٍ دراسيٍ واحد اجتازته الطالبة نور حسين بنجاح، ونأمل أن يكون الإنذار النهائي محلا لإعادة النظر فيه أيضا، ففضلا عما يلحقه قرار كهذا بسمعة أي صرح أكاديمي، هناك جوانب قانونية وحقوقية نرى ضرورة أخذها في الاعتبار. فعلى الرغم من أن الجزاء الذي تم توقيعه على الطالبة وعدّل لاحقا، كان سيتسبب في ضرر بالغ لمستقبل الطالبة إلا أن الجانب الذي سنبحث فيه ليس قسوته، بل مشروعية القرار الذي أوقعه ومسَاسَه بحقوقٍ دستورية وقانونية، والآثار القانونية المترتبة عنه، لذا فإن المسألة ليست كما يتصور البعض قضية طالبة واحدة، بل هي قضية نضال من أجل سيادة القانون ومن أجل حقوق وحريات الأفراد بوصفهم مواطنين وطلاب جامعيين، فلائحة المخالفات المسلكية التي أستند عليها القرار، تضمنت بنودا عديدة تتعارض مع القواعد القانونية والقضائية العامة ومبادئ العدالة، فللجنة التأديب حق توقيع أي من الجزاءات المنصوص عليها في المادة (3) من اللائحة وفقا لما تراه مناسبا، ومعظم القرارات التأديبية تعتبر نهائية لا يجوز استئنافها، والتطبيق العملي لبنود اللائحة يكشف عن اعتقاد خاطئ بأنه يمكن سلب اختصاص القضاء، حيث جاء في المادة (17) أن مجلس الجامعة هو الجهة المختصة بتفسير اللائحة، فماذا يتبقى للطالب ومن ينصفه من قرارات إدارية تستند للائحة متخمة بالعديد من البنود المخالفة لأحكام الدستور والقانون والمواثيق الدولية، بحيث لا يمكن جبر ضررها إلا باللجوء للقضاء ليقول كلمته.
ومما قاله القضاء في حالات مشابهة: «إن تقدير الجزاء متروك لتقدير من يملك توقيع العقاب التأديبي، غير أن السلطة التقديرية، مقيدة بعدم جواز إساءة استعمال السلطة، وهذا يمكن إثباته دون عناء حين يكون عدم التناسب بين المخالفة التأديبية وبين الجزاء الموقع عنها واضحا، ومناط مشروعية هذه السلطة شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى، ألا يشوب استعمالها غلو».
إن إدارة الجامعة مقيدةٌ بالبنود والإجراءات الأخرى المنصوص عليها في ذات لائحة المخالفات المسلكية، من حيث تطبيقها نصا وروحا، الأمر الذي كان غائبا عن بال من أصدر القرار، فلا يجوز تجزئة القواعد العامة بتطبيق ما يعجبنا واستثناء ما لا نرغب فيه، حتى لا تُصمُ قراراتنا بالتعسف وإساءة استعمال السلطة وعدم التناسب بين المخالفة والجزاء، فالقرار لم يتدرج في الجزاء التأديبي بفرض مشروعيته، كما أنه لا يجوز الجمع بين جزاءين أو أكثر للمخالفة الواحدة، ويراعى عند توقيع الجزاء تناسبه مع درجة المخالفة وتكرارها (المادة 5)، والقرار عموما يعوزه المنطق لبيان الصلة بين المخالفة والجزاء المطبق، وسبب توقيعه بالذات على التحصيل العلمي للطالبة الذي اجتازته بنجاح، وما هي الأهداف التربوية أو المصلحة العامة التي استهدفها القرار، كونه صادرا عن إحدى جهات الإدارة التي حالها حال الجهات الأخرى تخضع سلطتها التقديرية في إصدار قراراتها لرقابة القضاء الذي يقرر توافر شرط المصلحة العامة، فالسلطة التقديرية لأية جهة إدارية ليست سلطة مطلقة؟.
إن هذا القرار فعلا غريب والأغرب هو أن يُسمح بتمريره دون تمحيص من النواحي التربوية والحقوقية والقانونية، فالقرار واللائحة المستند لها يشوبهما مخالفة أحكام الدستور كونهما يتعارضان مع الحقوق الواردة فيه بشأن حق المشاركة في الشئون العامة (المادة 1) وحرية الرأي والتعبير ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما (المادة 23) وحرية تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 27)، وإن كانت لائحة المخالفات المسلكية في الجامعة أو أية لائحة أخرى تتضمن عقوبات من هذا النوع، فإن ذلك يعني أنها توقع عقوبات على ممارسة المواطنين لحقوق وحريات يكفلها ويحميها الدستور، وهذا غير جائز لأنها بذلك تتجاوز حكم المادة (31) من الدستور التي قيدت القوانين واللوائح التي تصدر، بأن لا ينال تنظيمها أو تحديدها للحقوق والحريات من جوهر الحق والحرية. أما إذا لم يكن هناك نص، فإن ذلك مخالف للقاعدة القانونية التي تقول إنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني»، وأيا كان النص أو التفسير الذي استندت له الجامعة في قرارها الإداري المتضمن عقوبة شطب نتائج امتحانات الطالبة، فإنه مخالف للقانون وأحكام القضاء في هذا الشأن: «فأداء الطالب للامتحانات وإصدار الجامعة قرارها بإعلان نتيجة الامتحان من الناحية القانونية، هو قرار إداري نهائي إيجابي صريح، ينشئ مركزا قانونيا جديدا، هو اعتبار الطالب ناجحا أو راسبا وتحديد مرتبة النجاح المقررة له وترتيبه بالنسبة لغيره من الناجحين والآثار المترتبة على النجاح والمستمدة من القوانين واللوائح».
والقرار الصادر بإعلان نتيجة الامتحان هو القرار الذي يستمد منه صاحب الشأن مركزه القانوني في النجاح، ويترتب على ذلك أن النتائج التي تحصل عليها الطالب تصبح ملكه وحده قانونيا ومعنويا، ولا يمكن لأية جهة أن تتصرف فيما لا تملكه حتى الجامعة التي اعتمدت نجاحه، إلا إذا ثبت لها عدم أحقيته في تلك النتائج لأسباب مشروعة متصلة بالامتحان ذاته، منصوص عليها في القانون واللوائح كأن يكون هناك تزويرٌ أو قيام شخص آخر بأداء الامتحان بدلا عنه أو ثبت غشه في الامتحان.
وقد استقرت أحكام القضاء على «أن القرارات الإدارية التي تُولّدُ حقا أو مركزا شخصيا للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك المراكز».
جلّ ما نتمناه أن تتسع صدور وعقول المسئولين عن هذا الصرح العلمي الذي نفخر به، للرأي الآخر وللنقد البناء الموجّه للنصوص والممارسات وليس للشخوص.
 
صحيفة الوسط
13 اكتوبر 2009