المنشور

أسرة الأدباء (2).. أضواء محمود المردي

لم تتوقف رغبة الشعب البحريني في التعبير عن خوالجه السياسية والثقافية والإبداعية، غير أنها جميعها تعلقت تحت قبة ومشنقة »الطوارئ« بعد انتهاء زمن الهيئة ونهوضها المتعدد الأوجه. بين 1956 -1965 هناك عقد كامل من المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية، وكلها ستكون حاضرة في ذاكرة الإبداع البحريني الحديث، فمن حملوا ثقافة المواجهة والتغيير الثقافي هم الجيل الذي ولد وترعرع فيما بين حقبتين حقبة الحرب العالمية الثانية والحقبة المحلية، مخاض الهيئة وأحداث مارس، وإذا ما كانت الأولى تشكل للكتاب الشباب ذاكرة طفولية، فان أحداث مارس والتظاهرات منذ الستينات وغيرها ستشكل الخزان السوسيوثقافي لنظرتهم للحياة والصراع كقوة شبابية متحفزة وطموحة، وستشكل انطلاقتهم الجديدة في التاسيس للابداع البحريني المعاصر بعد نضوج »العنب«، والتي نستطيع ان نمحورها في مرحلتين هما مرحلتي ما قبل الاستقلال وبعده. كان على رائد من رواد صحافة الخمسينات الأستاذ محمود المردي، أن يصدر في شهر سبتمبر من عام 1965 صحيفته الأسبوعية »الأضواء« أي بعد ما يقرب من ستة شهور من انطلاقة انتفاضة مارس. وباعتبار ان المردي عنقود من عناقيد المرحلة الوطنية في شجرة الخمسينات، فان رؤيته ستتبلور في خدمة بلاده، من خلال حلمه القديم، ولكن في ظروف جديدة مختلفة. هذه الصحيفة التي خصصت صفحة ثابتة أسبوعية للفن والأدب، ستصبح الوعاء الحيوي الهام، لإبراز الوجوه المبدعة الشابة، وسيجد القراء أسبوعيا مجموعة من القصص والقصائد والمقالات، التي شكلت العمود الفقري للإبداع الجديد. كان كل يوم خميس من أسبوع الأضواء المنتظرة بمثابة يوم فرح، لحظة حب لتعطش شعب البحرين وجيله الشاب، خاصة الذين ظلوا مع القراءة الممنوعة وحدها دون وجود الجانب المكمل وهو الكتابة والتعبير. نستطيع أن نقول وبكل ثقة، إن مرحلة 1965 ستمهد لمرحلة 1969، بعد أن تراكمت الأحلام لدى أولئك الشباب، ووجدوا ان الضرورة واللحظة تستدعي وجود ذلك الإطار المؤسساتي الثقافي، المعبر عن تطلعاتهم الفكرية والثقافية، بل وجدوا في هذا الإطار، التعبير السياسي عن التزاماتهم الحزبية والوطنية بحيث تصبح الأسرة التعبير الثقافي والإبداعي لتلك اللحظة التاريخية السياسية من البحرين وهي تستعد للاستقلال السياسي من بريطانيا. وحده الأستاذ محمود المردي كان الأب الروحي – رمزيا – المجهول لتلك الإبداعات وحاضنها الحميم، فقد كان يرى فيها الوجه المضيء والجديد للبحرين القادمة. ومن كتب وعمل وعاش قريبا للأستاذ محمود المردي تلمس روحه وإنسانيته ومهنيته، برغم المسافة بين جيلين – يكملان بعضهما البعض – ثقافيا وسياسيا، جيل المردي في الخمسينات وجيل المبدعين الجدد في مطلع الستينات. وسيتلازم مع المردي بعدها بسنوات أربع، الأستاذ عراب الصحافة علي سيار بمجلة صدى الأسبوع، لتصبح لدى الأصوات الجديدة فضاءات تعبيرية أوسع في انطلاقة الإبداع والثقافة الحديثة، بل وستجد نفسها الإعلام في هذه الفترة تلتفت إلى إقامة مسابقات في القصة والشعر، والتي أخرجت المكنون الإبداعي لدى الشباب. وستشهد عملية التدفق الثقافي والكتابي في الأدب مع نشوء الأسرة ( 1969) بشكل ملحوظ وتنامي عملية الحوارات والكتابات والقراءات النقدية وهي تتواكب جنبا إلى جنب مع العملية الإبداعية، تارة بخطوة أمامها وتارة بخطوات بعيدة للوراء عنها. وإذا ما كانت الفترة ما بين 65-69 هي بروز مجموعة قصائد وقصص قصيرة تنشرها الأضواء وصدى الأسبوع، فان 69- 1972 سنتعرف على أول إصدارات كتب للمبدعين الأوائل (* أنين الصواري /1969 و إضاءة لذاكرة الوطن / 1971 لعلي عبد الله خليفة، البشارة لقاسم حداد / 1970 ثم علوي الهاشمي في كتابه من أين يجيء الحزن /1972)، والذين كانت باكورة إنتاجهم الأول عبارة عن قصاصات الصحف والمجلات، ثم جاءت المرحلة الثانية على شكل إصدارات كتب لهم معبرة عن حلمهم الإنساني في التعبير والإبداع عن تلك الكلمة المنشودة والموجهة من الإنسان للإنسان. أما في مجالات القصة القصيرة، فان المسار كان متقاربا مع العملية الشعرية للشباب كجيل واحد ومتقارب عمريا، ومن حيث التكوين الروحي والسياسي والفكري للمرحلة، فقد كتب القاص خلف احمد خلف قصته الأولى عام 1969 مع مقالة في الأضواء أيضا تدعو »استجابة القصة للواقع«(وفق التقرير الذي أعدته أسرة الأدباء والكتاب لمؤتمر الأدباء العرب في تونس في مارس 1973 ) وقد اشرف على التقرير الناقد الأستاذ احمد المناعي. وستكون قصتا ( مقاطع من سيمفونية حزينة) لمحمد الماجد و(موت صاحب العربة) لمحمد عبدالملك واللتان فازتا ضمن مسابقة القصة القصيرة في إدارة الإعلام والمنشورة في مجلة هنا البحرين ما بين عامي 1968-1969 ، حيث حصل الماجد على الجائزة الأولى ومحمد عبدالملك على الثانية. في هذه الفترة ستنطلق الإصدارات القصصية المتلاحقة مثل »سيرة الجوع والصمت« والمستوحاة من قصة القاص والمسرحي خليفة العريفي وهي عبارة عن ( 9 أصوات في القصة البحرينية / 1971 ثم مجموعة موت صاحب العربة لمحمد عبد الملك عام 1972، وهنا الوردة هنا نرقص لامين صالح /1973 )، وهناك أسماء أخرى أصدرت دواوين شعر وقصص في هذه الفترة، غير إنني لا ابحث في تاريخ ومسار الأدب في البحرين وإنما أسلط الضوء على الأسرة وأصواتها المحتجة في خندق المواجهة الوطنية بالتقاطع مع تداخل الإبداع والسياسة والفكر معا في تلك اللحظة الساخنة من تاريخ بلادنا. للمزيد بالإمكان الرجوع إلى كتاب (دراسات في أدب البحرين /1979 والصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ). هذه الخميرة الثقافية البكر من الشبيبة الواعدة إبداعيا، والسياسة وحراكها اليومي المحلي والعالمي، والتدفق الثقافي والتواصل الجديد مع الثورة التقنية التي أفرزتها الستينات، ستضع اللبنات الأولى لأدب البحرين المعاصر، والتي تحتفل به الأسرة بكل فخر واعتزاز فقد كانت وجهنا الثقافي البحريني في الداخل والخارج . لكل صوت إبداعي مهما كان حجمه، له الحق أن يعتز انه حجر في ذلك المعمار الجميل للبحرين، فكل ما التقيت في الخارج بفنان أو مثقف أو أديب، يسألونني عن تلك الأسماء، في الشعر والقصة والأغنية والرسم والنحت والموسيقى، يسألونني عن وجهنا المشرق المشاغب النبيل . (للحديث صلة).
 
صحيفة الايام
13 اكتوبر 2009