المنشور

مــرايــا الـنـضــال…!

جلس في
صالة شقته ، بعد إطفاء شمعته التاسعة والخمسين ، متهالكا فوق كرسي الذات ومتّكئا
على أيامه – ماضيها وحاضرها – جامعا عظامه الشائخة ، واضعا إبهام يده اليمنى على
خدّه الأيمن الذي رسم عليه الزمن أخاديده الغائرة ، وتدلت أصابعه الباقية المتجعّدة
متحلقة حول فكّه الأسفل ، وهو

 

              ليست قصة

مــرايــا الـنـضــال…!

 

 جلس في صالة شقته ،
بعد إطفاء شمعته التاسعة والخمسين ، متهالكا فوق كرسي الذات ومتّكئا على أيامه –
ماضيها وحاضرها – جامعا عظامه الشائخة ، واضعا إبهام يده اليمنى على خدّه الأيمن الذي
رسم عليه الزمن أخاديده الغائرة ، وتدلت أصابعه الباقية المتجعّدة متحلقة حول فكّه
الأسفل ، وهو يحدّق بعينين جاحظتين في مجهول اللحظة الراهنة ، ينفث من فمه ذي
الأسنان الإصطناعية – الذي خرج من محاقه هلال شارب ثلجي – نار الآهات ويدور في
رأسه المشتعل شيبا شريط الذكريات المتداعية من خزين الأمل والألم .


 (تلفونه الشخصي يعلن وصول رسالة
نصيّة )

  
” تقيم الجمعية حفلا تأبينيا للرفيق المناضل العامل النقابي صالح حسن
بمقر الجمعية مساء يوم غد الأحد س 8 “


يضع يده اليمنى على الكرسي ويضربها بكف جمرات حسرته :

ـ آه يا صالح لقد كنت كذلك ، ذكرناك ميتا .. حميد وجمال
وأحمد وكريم وبقية الكوكبة.. بالأمس كانوا معي..عبدالله والآخرون ، حصدوا ما زرعوا
، ونالوا بعض حقوق فصلهم التعسفي في المرحلة السوداء ( يا ليتنا كنّّا معهم)
،إبراهيم صار مأخوذا بالأنا ورست سفينته على شاطئ أوامر الزوجة ، جاسم سحبه
الأصدقاء إلى سهر الحانات بعد عناء الدوام للهروب المؤقت من هموم الحياة إلى أمام
، يوسف صار حمامة المسجد ،جعفرأمسى مسئول المأتم وعضو الصندوق الخيري مع تعويم
السياسة  ( والصاحب ساحب)وأقل من عشرة في
المائة من رفاق الطريق واصلوا رحلة الشوك عبر نهارات الألم ، فالأكثرون أراحوا
ركائبهم .

قلقلة الباب تنبئ عن قادم .    

(يوقظه مطر الصوت من حلم اليقظة)

ـ ها يا أبا سلام !

ـ نعم

ـ أراك ساهما ( تضربه بخنجر السؤال )

ـ  يا أم عمرو عجيبات ليالينا(
متمثلا بقول الجواهري شاعره الأثير)

ـ إنقطعت أخبار وإتصالات جماعتك وصام التلفون عن الكلام ..وطال إعتكاف ظلك
في صومعة البيت .. ها زعلان ؟

ـ الناس أجناس ( هازا يده بتأفف)وكل يعمل على شاكلته .

ـ ما دام شريانك ينبض بحب الناس والشمس ، وقلبك مطبوع على لسانك ، وصدرك
مسكون بهاجس النخلة والبحر، ويداك تفيضان بندى المسئولية ، فعليك التغريد داخل
السرب حتى يفقد النشاز ظله .. هكذا تعلمت منك ومن الحياة.

ـ (بل تعلم الجميع ولكن التطبيق..!!!  مستدركا ) وما ذا عن السرب ؟

ـ السرب ؟! ( تؤكد بتعجب ).. عليه واجب الحفاظ على تناسق التغريد ، والروّاد يقودون خفق أجنحة الأفئدة.

يرن جرس هاتفه الشخصي فينتصب جدار الصمت

ـ (يجيءالصوت دافئا) كيف حالك يا أبا سلام ؟إشتقنا إليك فأنت في القلب أيها
العزيز

ـ ( وأخيرا فقد إتصل أحدهم ) بخير يا أبا فهد.. إنها مشاغل الحياة يا رفيقي

ـ لقد غاب شخصك خلف ستار الإنشغال .. أم أن في الجو غيم ؟..الراحلون إلى
التراب لم ينهوا أعمالهم ..عدّ.. واصل الحاضر بالآتي ولا تلغ ماضيك..لئن تسلق البعض
أكتاف الحقيقة فقد إستحق الطيبون أماكنهم

ـ ( وجوم تعلوه إبتسامة عاتبة ) والآن ما هو المطلوب مـنـّي؟

ـ جـهـّـز نفسك .. سأمر لآخذك معي لإجتماع لجنة منطقتنا

ـ سأصبر
وفي الصدر غـصّـة جفاء
من تعرف .. الجـمـعـيــّة بـيـتـنـــا

ـ نـخـتـلـف لـنـأتـلـف .. ولكل ورد رائحة .. دقائق وسأكون عندك

رمقته زوجته باستحسان وهزّت رأس عمرها الرفيق .. ساعدته بإحضار ما يحتاج

ـ ( يردد الشعربصوت خفيض مسموع)

وذو الـشـوق الـقــديـــم وإن تـآسّـى     مـشـوقٌ حـيـن يـلـقـى الـعـاشـقـيـنـا

جـاء أبـو فـهـد وأخـذ أبـا سـلام

وصـلا مـقـر الـجـمـعـيــة قـبـيــل بــدء الاجتماع

 


        عبدالصمد الليث

         8/10/2009