المنشور

حول ضريبة الاستثمار الأجنبي!

يسجل للمقترح بقانون الذي قدمه مؤخراً لمجلس النواب رئيس المجلس معالي السيد خليفة بن احمد الظهراني حول ضريبة الاستثمار الأجنبي، أنه أثار قضية كبرى ظل الجميع صامتا إزاءها، على الرغم من أنها قضية جوهرية تدخل في جوهر نظام السوق الحر الذي تسير على نهجه عجلة الاقتصاد في البحرين. مقدم المقترح الذي هو قيد الدراسة لدى لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في المجلس، ذكر أن هناك توجها حكوميا للأخذ بهذا النظام، وواقع الحال يقول إن الظهراني على خلاف بقية الكتل النيابية هو أفضل من يتقدم بمثل هذا المشروع نظرا لحساسية ما يطرحه المقترح من قضية كبرى، فالمجلس سيدشن دور انعقاده الرابع والأخير من الفصل التشريعي الثاني، ليدخل النواب في خضم سنة انتخابية، وينتظر أن يثير طرح مثل هذه القضية فيه خلال الأسابيع القادمة الكثير من السجال على مستوى البحرين، ولا زالت تتفاعل هناك العديد من ردود الأفعال بالنسبة رسوم تنظيم سوق العمل، كما أن ردود الفعل الأولية طالبت بأن تشمل ضريبة الاستثمار الاستثمارات المحلية أيضا، وضرورة تعزيز الشفافية والوضوح في ما تقدمه الحكومة من معلومات حول الاستثمار ومالية الدولة ومشاريعها وطرائق توظيف الأموال العامة والرقابة عليها. وقبل الاستفاضة في الحديث حول أهمية المقترح وما ينتظره خلال الأيام والأسابيع القادمة، تجدر قراءة المقترح أولا، فهو بحسب صيغته الأولية يهدف إلى تنظيم عملية الضرائب على الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من الأجانب بنسب معقولة تتناسب وحجم أرباحهم المتحققة في مملكة البحرين جراء مزاولتهم للعمل التجاري فيها، وكذلك تنظيم ربط وتحصيل الضرائب والإعفاء منها وتواريخ استحقاقاتها وطبيعة الأنشطة والدخول التي تفرض عليها. ردود الفعل الأولية لدى ممثلي القطاع الخاص لدينا ربما جاءت معبرة عن عدم الاستعداد لمثل هذه الخطوة، وكعادة القطاع الخاص ورجالاته البعيدين عن المشاركة في القرار الاقتصادي والتجاري، فهم يكتفون عادة بالرفض والتذمر ومن ثم القبول على مضض، خاصة إذا علمنا أن الغرفة مقبلة على انتخابات حامية الوطيس في نوفمبر القادم، ومن الصعوبة التسليم بفكرة من هذا النوع في الوقت الراهن، ولكن ما يجب أن يعرفه رجالات القطاع الخاص وأن تعرفه الحكومة كذلك هو أن النظام الضريبي في أي دولة لا يمكن اجتزاءه، بمعنى لا يمكن للقطاع الخاص أن يطرب لفكرة اقتصاد السوق ليأخذ ما يعجبه ويرفض ما لا يعجبه، وكذلك هي الحكومة لا يمكنها أن تفرض نظام ضريبي بشكل مجتزأ بعيدا عن تحقيق الكثير من الأمور الإجرائية والتشريعات الداعمة لهكذا نظام، فهذا النظام يجب أن تتشارك في وضعه عدة جهات بالإضافة إلى القطاع الخاص، كالمصرف المركزي ووزارة المالية، ووزارة التجارة والصناعة وسوق الأوراق المالية وهذا الأخير مهم بدرجة كبيرة فيما لو وجد لدينا السوق المالي المتطور والقادر على استيعاب فوائض الاستثمار بنوعيها المحلي والأجنبي، مما يفرض تطويرا أكبر لسوق المال وجعلها قادرة على مجاراة ما يفرضه النظام الضريبي المقترح. بإعقادي أن مقترح نظام ضريبة الاستثمار يجب أن يعمم على الاستثمارات المحلية والأجنبية، على أن يراعى التدرج في ذلك، فهذا خيار لا مفر منه، وأن القول بأن هذا النظام معيق للاستثمارات الأجنبية ولتنافسية البحرين هو قول للاستهلاك لا غير، فهناك دول لديها نظم ضرائبية بنسب مرتفعة لكنها تبقى جاذبة جدا للمستثمرين، فضريبة الاستثمار لم ولن تكون عائقا طالما وجدت المرونة وبيئة الاستثمار الخصبة وحوافز الاستثمار الجيدة والوضوح في توجهات وآليات الاستثمارات المتاحة، علاوة على شفافية ما يقدم من معلومات للمستثمرين، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي وتقليص البيروقراطية لدى القطاعين العام والخاص، وإيجاد نظام محاسبي ورقابي شفاف وقبل ذلك بيئة طاردة للفساد. لقد قطعت البحرين أشواطا جيدة في استقطاب الاستثمارات الخارجية وأصبحت من بين العشرين اقتصادا متحررا عالميا، وهذا إنجاز يجب أن يوظف بشكل جيد مع ضرورة التخلص من عشوائية وتضارب القرارات الاقتصادية، حتى نستطيع أن نتحدث عن بيئة جاذبة تقبل الاستدامة ولا تتهيب لوجود نظام ضريبي للاستثمار، وأن نحسن توظيف ما لدينا من تشريعات وتطويرها ضمن بيئة استثمارية مرنة تتفهم حاجة وحجم الرساميل التي تجوب العالم بحثا عن بيئة استثمارية مناسبة.
 
صحيفة الايام
11 اكتوبر 2009