المنشور

تأهبات وتحفزات ما قبل الانتخابات البحرينية

من تابع الصحافة البحرينية في‮ ‬الشهور الخمسة الأخيرة‮ ‬يدرك أن معركة الانتخابات النيابية التي‮ ‬ستجرى في‮ ‬البحرين في‮ ‬العام القادم سوف تبدأ مبكراً‮.‬ فعلامات التسخين بدأت في‮ ‬الظهور والتدافع بصورة لافتة ومتواترة،‮ ‬تجيء في‮ ‬بعض الأحيان على شكل موجات عالية تحتل مساحات أكثر سعة من الوقت والجدل الدائر في‮ ‬حيزه‮.‬ فمن الواضح أن‮ ‘‬النيابية‮’ ‬أو بصورة أكثر تحديداً‮ ‬كرسيها،‮ ‬أضحى مطمعاً‮ ‬لكثير من الطامعين لتسلق ومعانقة‮ ‘‬المجد‮’ ‬الشخصي‮ ‬بما‮ ‬ينطوي‮ ‬عليه من مطامع الثراء والوجاهة والشهرة والنفوذ،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بعد حزمة الامتيازات‮ ‘‬الدسمة‮’ ‬التي‮ ‬نجح أعضاء البرلمان الحالي‮ ‬الميامين في‮ ‬استخلاصها وتأمينها لأنفسهم‮.‬ عندما نقول إن كرسي‮ ‬المجلس النيابي‮ (‬النيابية‮ ‬‭(‬Parliamentary‭ -‬،‮ ‬فإن قصد المعنى‮ ‬ينسحب على الأفراد والجماعات معاً‮. ‬ذلك إنه‮ ‬غني‮ ‬عن القول إن إحدى أبرز إفرازات المشروع الإصلاحي‮ ‬لجلالة الملك حفظه الله ورعاه،‮ ‬ظهور وتكاثر الجماعات السياسية والجماعات الدينية‮ (‬الإسلامية‮) ‬التي‮ ‬لم تتردد في‮ ‬التقاط الفرصة التاريخية لركوب الموجة الصاعدة آنذاك والمسارعة لإنشاء تشكيلاتها وواجهاتها السياسية المعبرة عن مصالح أفرادها ومصالح الجماعة التي‮ ‬تأتلفها‮.‬ ومن كثرة ما قررته هذه الجماعات الإسلامية التي‮ ‬استطاعت‮ ‘‬بفضل‮’ ‬حالة الهروب الجماعي‮ ‬المجتمعي‮ ‬باتجاه الهوس الديني‮ ‬الذي‮ ‬يجتاح العالم العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬منذ الانقلاب الاجتماعي‮ ‬والثقافي‮ ‬الذي‮ ‬أحدثته الثورة الإيرانية في‮ ‬عام‮ ‬1979‮ ‬في‮ ‬البنى الفوقية،‮ ‬السيطرة والاستحواذ على السلطة التشريعية في‮ ‬انتخابات عام‮ ‬2006‮ ‬البرلمانية‮ ‬‭-‬‮ ‬فإنها أحالت المجلس النيابي‮ ‬البحريني‮ ‬إلى‮ ‘‬موقع‮’ ‬تندُّر وسخرية واستهجان لدى عموم الشارع البحريني،‮ ‬ناهيك عن أوساط النخب المجتمعية على اختلاف مشاربها‮.‬ وهذا ما حول المجلس عن وظيفته الأصلية كمؤسسة رقابية وتشريعية مستقلة مسؤولة أمام الشعب الذي‮ ‬جاء بعناصر إدارتها إدارة حصيفة بالغة الكفاءة،‮ ‬إلى مصدر استرزاق وتكسب للطامعين ممن لا وظائف اختصاصية مردودة العائد المجزي‮ ‬لديهم‮.‬ فلا‮ ‬غرو،‮ ‬والحال هذه،‮ ‬أن‮ ‬يصل التكالب على‮ ‘‬هذه الوظيفة الكسيبة‮’ ‬لحد لجوء الأفراد والجماعات الذين‮ ‬ينتظمون المجلس الحالي‮ ‬إلى ما‮ ‬يشبه تحصين وتسييج دوائرهم الانتخابية فيما‮ ‬يشبه الإقطاعيات الوقفية أو الشركات المؤمَّمة المغلقة‮ ‬‭(‬Closed nationalized companies‭)‬‮ ‬التي‮ ‬يُحْظَر الاقتراب منها‮.‬ وقد رأينا كيف كانت ردود أفعال أولئك الأفراد والجماعات عندما حاول بعض المتطلعين لخوض الانتخابات النيابية القادمة تقديم برامجه الانتخابية لجموع الناخبين في‮ ‬بعض الدوائر التي‮ ‬يعتقد نوابها أنها أضحت حقاً‮ ‬حصرياً‮ ‬مطلقاً‮ ‬لهم وحيازة لن‮ ‬يتهاونوا ولن‮ ‬يفرطوا فيها‮.‬ بل إن الحديث المتقطع الذي‮ ‬تتناقله الصحف المحلية من آن لآخر حول آفاق واحتمال عودة الليبراليين إلى مسرح الأحداث من جديد،‮ ‬قد أنتج ردات فعل انفعالية من القوى الدينية خصوصاً،‮ ‬التي‮ ‬راحت تتدافع كل من موقعه للتقليل من شأن هذا الاحتمال‮ (‬رغم أنه مازال احتمالاً‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون محقق الوقوع ويمكن أن لا‮ ‬يكون‮). ‬فَدُبِّجت المقالات ونُسجت الاستطلاعات الهادفة لإغلاق هذا الباب و‮’‬ريحه‮’ ‬المقلقة على ما هو ظاهر من أشكال التعبير السلبية التي‮ ‬عبر عنها بعض الجماعات الإسلامية المتمعة حالياً‮ ‬بمواقعها الامتيازية في‮ ‬مجلس النواب إزاء التيار الليبرالي‮ ‬بوجه عام وإزاء اجتهادات وتقديرات الوسط الصحافي‮ ‬والسياسي‮ ‬بشأن الدور المحتمل الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يلعبه التيار الليبرالي‮ ‬غير المُمَثَّل حالياً‮ ‬تحت قبة البرلمان في‮ ‬الانتخابات المقبلة‮.‬ فالنزق الذي‮ ‬عكسته الجماعات الإسلامية في‮ ‬تعبيراتها السلبية إزاء احتمال عودة التيار الليبرالي‮ ‬إلى الساحة،‮ ‬ينم بشكل واضح عن نزعة شديدة البأس لجعل المجلس النيابي‮ ‬وقفاً‮ ‬عليها،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬سبيل ذلك لم تتوان ولن تتوانى في‮ ‬استخدام كل الوسائل،‮ ‬لاسيما المال السياسي‮ ‬‭-‬‮ ‬الذي‮ ‬بالمناسبة‮ ‬يقال إنه بوشر في‮ ‬استخدامه منذ الآن‮ – ‬لقطع الطريق على المنافسين المحتملين‮.‬ ولكن التيار الليبرالي‮ ‬أوسع قاعدةً‮ ‬وأثقل حضوراً‮ ‬في‮ ‬الحياة البحرينية من حفنة الجمعيات السياسية الناشطة في‮ ‬ساحة العمل السياسي‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬وحتى من كل مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬الفاعل منها والساكن‮. ‬فهو‮ ‬يشمل كل تلك الجموع الغفيرة التي‮ ‬تتحرك بفطريتها المنفتحة في‮ ‬دورة الحياة البحرينية المعتادة بمزاج سليقي‮ ‬غير متنافر مع بدهيات وسنن العيش الأليف المؤتلف للجماعة البشرية المعاصرة المتوافقة،‮ ‬على الضد من ذلك،‮ ‬مع ناموس التطور المجتمعي‮ ‬غير المعزول بالضرورة عن السياقات التطورية العامة للعائلة العالمية الممتدة عبر القارات الست‮. ‬ بيد أن هذا التيار الاجتماعي‮ ‬الواسع،‮ ‬وعلى النقيض من تيار الإسلامي‮ ‬السياسي،‮ ‬لا‮ ‬يتوفر على امتياز التمكين‮ ‬‭(‬Accessibility‭)‬‮ ‬منابرياً‮ ‬للنفاذ إلى الجمهور العريض المتوافق مع مشاربه الثقافية وتوجهاته المصلحية‮. ‬فليس له،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬ديوانيات شعبية متسعة ومتواصلة بانتظام مع روادها وامتداداتها في‮ ‬الشارع،‮ ‬وليس له واجهات إعلامية صريحة تعبر عن رؤاه ومواقفه ومصالحه‮.‬ حتى‮ ‬غرفة تجارة وصناعة البحرين التي‮ ‬تمثل وعاءً‮ ‬كبيراً‮ ‬يستوعب أكثر النخب الليبرالية حظوةً‮ ‬بالإمكانيات والنفوذ،‮ ‬لا تملك ما تعتد به من وسيلة تعبير عن رؤاها ومصالحها سوى بعض الهوامش الصحافية المتفرقة والإعلانات الشحيحة والموسمية لقياداتها حول رغبتها للدخول في‮ ‬المعترك السياسي‮ ‬من البوابة البرلمانية‮. ‬بل إن الغرفة باعتبارها الوعاء الليبرالي‮ ‬الأكثر ثقلاً‮ ‬في‮ ‬الوسط الليبرالي‮ ‬البحريني‮ ‬الواسع،‮ ‬لم تعد هي‮ ‬نفسها متجانسة بما‮ ‬يكفي‮ ‬لكي‮ ‬تعبر عن مواقفها ومصالحها بصورة متضامنة بعد أن اتسعت الفجوة بين كبار أعضائها من التجار وصغارهم،‮ ‬وهو ما‮ ‬يستوجب من الغرفة تداركه إن كانت فعلاً‮ ‬جادة فيما أعلنته من نية لخوض الانتخابات المقبلة‮.‬ على أن الأمر لا‮ ‬يتعلق ولا‮ ‬يقتصر فقط على الغرفة وحدها وإنما هو‮ ‬ينسحب على كافة مكونات وأطياف التيار الليبرالي‮ ‬التي‮ ‬يتوجب عليها أن تبحث عن نفسها وتلملم صفوفها إذا ما أرادت أن تكون لها بصمة وأن تؤثر في‮ ‬مسار الحياة البحرينية،‮ ‬السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،‮ ‬مستفيدة من زخم السخط المجتمعي‮ ‬العام على الأداء السلبي‮ ‬لممثلي‮ ‬جماعات الإسلام السياسي‮ ‬التي‮ ‬تُحكِم قبضتها على المجلس النيابي.
 
صحيفة الوطن
10 اكتوبر 2009