المنشور

منذ دهشة «ترميم الذاكرة».. وانتظار الرواية التي نسمع


عن نفسي.. كنتُ أتمنى أن أرى هذا العام في مهرجان الأيام الثقافي 17 كتاباً جديداً للكاتب البحريني الجميل الدكتور حسن مدن، كنتُ متحفزاً جداً لدى سماعي أنه سيحاول كتابة رواية تقترب من مناطق سيرته الذاتية التي لمسناها في كتابه الرائع (ترميم الذاكرة) والصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وما أزال أمنّي نفسي أنني في العام القادم من المهرجان سأكون على موعد وهذه الرواية المنتظرة، ربما لأن ما لحظناه جميعاً في (ترميم) ذاكرة مدن كان أسلوباً في الكتابة خارجاً عن كل ما قرأناه سابقاً، كان لغة نامية وحية بكل معنى الكلمة، وربما لأن حسن مدن هو اختصار حقيقي لحقبة مهمة من تاريخ هذا الوطن، وأن يختصر هذا التاريخ بهكذا قلم فهو أمر يستحق كل هذا الترقّب.
 
ما أزال حين الرجوع مرة بعد أخرى لترميم الذاكرة لأقرأ فصلاً هنا، أوراقاً من هناك أرى بوضوح كيف صنع مدن باللغة، وهي الكائن الذي يعنيني أكثر بالرغم من أنني معني أيضاً بكائنات الكتاب الأخرى من تاريخ وذاكرة وشخوص وقراءة وتفكيك، ولكني ما أن أبدأ القراءة حتى أذهل عن كثير من هذا لأدخل إلى عوالم لغة بقدر ما تبدو بسيطة وغير معقدة ولا تحاول أن تتفذ عليك كقارئ بقدر ما هي حية وحيوية ونشطة ومتحركة، كأنما هي شخصية داخل الكتاب وليست أداة من أدواته، وما أزال (كشاعر أولاً وكصحفي ثانياً) أتلصص على هذه اللغة وأحاول أن أفككها لأعرف كيف يجعل مدن لغته تبدو هكذا؟ ما الذي يستخدمه بالتحديد من أساليب ليجعلها هكذا نشطة وعفوية كطفل وعميقة ودالة كنبي.
 
 البحث في لغة مدن سواء في كتاباته اليومية والأسبوعية عبر أعمدته في الأيام أو غيرها، أو في هذا الكتاب بالتحديد يحتاج إلى قراءة متأنية للحصول على أجوبة عن بناء اللغة لديه، فبناؤها لدى حسن مدن يعتمد بحسب ما أرى اقتراباً من الموضوع ومن ذات الكاتب ومن ذات القارئ، وهو أمر بالغ الصعوبة لدى لحظة الاقتراب من شكل اللغة التي نريد، غير أن مدن بسهولة يستطيع أن يقدّم هذا الاقتراح اللغوي وبسهولة يقدّم مثالاً رائعاً عليه هو (ترميم الذاكرة).
 
وبين اللغة وكاتبها ثمة أيضاً الذاكرة نفسها، أي ذاكرة هذا الرجل الذي تمثّل جزءا مهما من ذاكرة أرض، وذاكرة تاريخ من خلاله يمكن فهم واستيعاب وقراءة هذا الواقع الذي نعيشه، ومدن في هذا الكتاب كان منتبهاً تماماً لهذا الأمر، لذلك فهو حين يسرد الحوادث ويقرأها، هو يفتح من كل لحظة سردية باباً للتناول مرة النفسي وأخرى الاجتماعي وثالثة السياسي، وفي كل ذلك كان الأدبي والفلسفي يحوطان تلك اللحظة بهالة من الدهشة قادرة على أن تفضي بك الى اللحظة التالية بحماس شديد.
 
ترميم الذاكرة كتاب يستحق فعلاً أن يُقرأ وأن يُحتفى به، غير أننا نحن أيضاً -قراء حسن مدن- نستحق بعد كل هذا الترقب أن لا يخذلنا الكاتب، وأن لا يطول انتظارنا لكتابه القادم، وأن نكون على موعد ورواية تبحث مثل هذا البحث الجميل، وتحفر مثل هذا الحفر المدهش في اللغة والسرد والذاكرة والتاريخ، وأن يكون مهرجان الأيام الثقافي 18 العام القادم موعداً لكي نتحدث أطول عن ذلك القادم الجميل.
 
الأيام 8 أكتوبر 2009