المنشور

دروس هزيمة فاروق حسني (1 ــ 2)

ما ان انتهت الجولة الخامسة من انتخابات المجلس التنفيذي لليونسكو بفوز البلغارية ايرينا بوكوفا غير المتوقع بمنصب المدير العام للمنظمة حتى انتابت العرب بوجه عام والمصريين بوجه خاص حالة عارمة من الذهول والسخط المعبر عنهما بالاستنكار والتنديد بخذلان المجتمع الدولي وعلى رأسه الغرب وتآمره بضغوط صهيونية أمريكية غربية على إسقاط مرشحهم فاروق حسني وزير الثقافة المصري الذي كان مرجحاً فوزه بناء على تقدمه على جميع المرشحين في الجولات الأربع السابقة.
وكان أكثر مما هو لافت في ردود الفعل العربية الغاضبة من النتيجة تعليق هذا الأخير نفسه بما مفاده أنه كان ضحية لتسييس “اليونسكو” ولتآمر الولايات المتحدة عبر سفيرها الذي “كان يتصرف بقوة وبكل ما يملكه من امكانات لمنعي من الفوز بالمنصب”. كما أدان حسني المؤامرة الصهيونية لتسقيطه “كل الصحف والضغوط الصهيونية كانت ضدي بشكل رهيب”.
ولم تشذ غالبية ردود فعل وسائل الإعلام والقوى السياسية في مصر عن منحى ومضمون رد فعل وزير الثقافة الذي عبر عنه في رد فعله المتقدم ذكره غداة هزيمته المؤسفة في انتخابات المنظمة.
ومن دون التقليل من الدور الكبير الذي لعبه اللوبيان الصهيونيان داخل المنظمة وخارجها لإسقاط حسني وهو دور لا ينكره القاصي والداني في العالم كله، إلا أنه من المحزن حقا أن يتم تبسيط وتفسير الهزيمة بهذا السبب الخارجي وليس سواه لإعفاء دورنا، مصريا وعربيا، من أي مسئولية عن صنع هذه الهزيمة الدبلوماسية الدولية. فما خسارتنا لهذه المعركة الدبلوماسية الدولية إلا حلقة في سلسلة طويلة مزمنة من الهزائم في المعارك الدبلوماسية الدولية المتعاقبة منذ هزيمتنا في فلسطين عام 1948، إذ برهنت تجاربنا المديدة طوال الستة العقود ونيف الفائتة أننا لم نتعلم من تجارب هزائمنا قط، لا بل نحن أكثر دول العالم في إبداع عدم الاعتبار والاتعاظ من دروس الهزائم دبلوماسياً، كما هو عسكريا، واجترارها مرات ومرات، وما الهزيمة التي مُنينا بها في معركة انتخابات “اليونسكو” إلا حلقة – كما ذكرنا – من سلسلة تاريخية طويلة من الهزائم المتتالية والراجح بقوة أنها لن تكون الأخيرة مادمنا لم نبارح هذه الحالة المأساوية السياسية المزمنة التي نحن عليها.
حينما نفسر الهزيمة بأنها من جراء تسييس المنظمة، ألا يبدو ذلك تفسيراً مثيراً للضحك أمام العالم كأنه اكتشاف جديد؟ فمنذ متى كانت الثقافة العالمية، وبضمنها منظمتها العالمية “اليونسكو” بمنأى عن التسييس حتى لو كان أو بدا أن طابع نشاطها أو تخصصها ثقافي بحت لا يتعاطى أو لا صلة له بالسياسة من قريب أو بعيد؟ أوليست اليونسكو ومنذ إنشائها تقريباً كانت السياسة والمناورات السياسية والصراعات الدولية حاضرة في كل أنشطتها ودهاليزها وعلى الأخص في انتخابات المجلس التنفيذي ولاسيما خلال عصر الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي؟
أولم تنسحب الولايات المتحدة في الثمانينيات من اليونسكو بحجة “التسييس” وخضوعها للشيوعية والعرب والمسلمين؟ وذلك حينما كان نفوذنا الدولي واجتماع كلمتنا أفضل “نسبيا” مما هما عليه الآن وحينما كنا فاعلين إلى حد ما في ثلاث كتل عالمثالثية ألا هي عدم الانحياز، الكتلة الافريقية، المؤتمر الإسلامي.
فلو كانت المؤامرة الصهيونية ــ الأمريكية هي السبب الرئيسي الوحيد لهزيمة حسني ولم تكن ثمة أسباب رئيسية أخرى لحق السؤال بداهة: لماذا لم تستطع هذه المؤامرة تحقيق مآربها في النيل من المرشح المصري من أول جولة أو ثاني أو ثالث جولة على أبعد تقدير وليس في خامس جولة؟
هذا يعني إذًا أن ثمة أكثر من عامل رئيسي وجانبي وراء فشل الوزير حسني في انتخابات اليونسكو بعضها يعود إلى ضعف في أداء الحملة الدبلوماسية الدعائية، إن صح القول، التي قامت بها بلاده، فما بالك بالحملة الدبلوماسية العربية المشتركة الأكثر غياباً والأكثر ضعفاً؟ وبعضها الآخر يعود إلى عدم تمكن المرشح المصري نفسه من المنافسة بمؤهلات وخبرات عالية يبز من خلالها مؤهلات وخبرات المرشحين المنافسين له. وقد تناولت هذه الإشكالية غداة ترشيح مصر قبل نحو عامين، وبامكاننا في هذا الصدد أن نختلف في تقييم إذا ما كان هذا العامل (مؤهلات المرشح) أهو من العوامل الرئيسية لفشله أم من العوامل الفرعية؟ لكن ما لا يجوز الاختلاف فيه انه يشكل سبباً من الأسباب المؤثرة بهذا القدر أو ذاك في الحيلولة دون فوز المرشح العربي. نقول ذلك من دون أن نغفل أو نقلل مما لعبته الحملة الإسرائيلية الصهيونية – الأمريكية من دور كبير، ولاسيما في الجولة الخامسة الأخيرة، لتسقيط حسني.
ومن المفارقات انه على الرغم من توجيه الوزير حسني أصابع الاتهام علنيا إلى أمريكا وإسرائيل بالتآمر على إسقاطه وتشويه سمعته السياسية فإن حكومة بلاده التي تبنت ورعت ترشيحه واستماتت لانجاحه حتى اللحظة الأخيرة لاذت بالصمت المطبق ولم يصدر عنها أي رد فعل تجاه هذه الحملة المغرضة الحاقدة التي شنتها إسرائيل وأمريكا ضد مرشحها.

صحيفة اخبار الخليج
7 اكتوبر 2009