المنشور

عن قرار العاهل السعودي

علينا أن نتخيل وضع المملكة العربية السعودية اليوم لو أن مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود استمع، قبل نحو خمسة وسبعين عاماً، إلى نصيحة من مفتي المملكة يومها بعدم إحضار الأجانب »النصارى« للتنقيب عن النفط. كان لدى الملك عبدالعزيز من الحنكة والبصيرة وبُعد النظر ما جعله يتجاهل هذه النصيحة، رغم البلاغة التي كتبت بها، ليضفي عليها كاتبها مهابة التكليف الشرعي الذي يرفض دخول النصارى في أراضي المسلمين. كانت عين الملك على المستقبل الذي لن يُبنى إلا من خلال استثمار ما في البلاد من ثروات وبانفتاحها على العالم، فكان أن بلغت السعودية ما بلغته من تطور اقتصادي وتنموي. منذ نحو شهرين كنت والصديق عبدالقادر عقيل في مدينة أبها السعودية الجميلة، عاصمة إقليم عسير، نشارك في ملتقى أدبي خليجي، مكننا من الالتقاء بمثقفين وأدباء وأساتذة جامعة سعوديين من الجنسين، ومن زيارة الجامعة ومرافق إعلامية وعلمية أخرى، تتعاطى مع آخر الانجازات العلمية من أجهزة ومعارف، للدرجة التي تجعلك تتيقن أن المجتمع السعودي مهيأ لولوج الحداثة بثقة، بفعل التحولات التي تختمر في قاع المجتمع. وافتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا يندرج في إطار دفع البلاد نحو آفاق الحداثة والتقدم والمعرفة بشجاعة، ويبدو لي انه، من الناحية الرمزية على الأقل، فان قرار العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بإعفاء الشيخ سعد بن ناصر الشثري، عضو هيئة كبار العلماء، من مهامه بعد انتقاده لأسلوب عمل الجامعة الجديدة التي افتتحت في مدينة جدة، لا يقل أهمية عن افتتاح الجامعة ذاتها. جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا والتي بلغت كلفتها عدة مليارات من الدولارات تهدف إلى مساعدة البلاد على التنافس عالميا في مجالات العلوم والتكنولوجيا. وتحتضن الجامعة العملاقة أحد اسرع اجهزة الكمبيوتر في العالم. وتسمح الجامعة بالاختلاط بين الرجال والنساء في الحرم الجامعي وفي قاعات الدراسة، وقيادة النساء للسيارات داخل الحرم الجامعى ولن يسمح لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالدخول هناك. كما لن تكون الطالبات ملزمات بارتداء الحجاب، وهي أمور مهمة تندرج في إطار السعي المحمود من العاهل السعودي، المعروف بانفتاحه، لخلخلة البنية المتزمتة التي يسعى بعض غلاة المحافظين من رجال الدين تأبيدها. الشيخ المُقال كان قد صرح أن السماح بالاختلاط بين الجنسين في الجامعات ينطوي على مخاطر جسيمة وانه “شر وإثم عظيم”، وطالب بعرض المناهج التي تدرس فيها على علماء الدين لتجنب ما وصفه بالأيديولوجيات الغريبة مثل نظرية النشوء والارتقاء. انتقاد الشيخ المقال للجامعة، والذي يعبر عن فزع المتزمتين من فتح كوى للنور والحرية والعلم في المملكة جاء في إطار حديث بثته قناة »المجد«، مما دفع القوى المناصرة للتحديث إلى الرد عليه، حيث كتب رئيس تحرير جريدة »الوطن« السعودية جمال خاشقجي مقالاً انتقد كلام الشثري، متهماً قناة المجد التي استضافته بـ “فتح باب الفتنة والتشويش على الجامعة”، بعدها توالت المقالات الصحافية الناقدة للشثري في عدد كبير من الصحف السعودية والعربية، معتبرة أن القناة والشيخ الشثري تجاهلا الدور العلمي للجامعة وركزا على أمر آخر ليس ذا أهمية، “وهذا يقود للفتنة ضد الجامعة.” خطوة الملك عبدالله تذكرنا بما فعله والده حين تجاهل نصيحة المفتي بمنع النصارى من التنقيب عن النفط.
 
صحيفة الايام
7 اكتوبر 2009