المنشور

مخاوف مشروعة.. !


إنه قدر مرير، وهو يفرض غصة.. لكنه قدر صنعه نواب كثر.. بل معظم النواب، وهذا ما يزيده مرارة، فالتجربة البرلمانية ابتليت بهؤلاء النواب الذين أعطوا الصورة الأكثر تعبيراً للاعوجاج الذي اعترى هذه التجربة، علماً أنهم لم يكونوا قط المستفيدين الوحيدين من هذا الاعوجاج وذلك أمر سيئ في ذاته وأسوأ في دلالته ..

ونستطيع أن نستطرد في هذا الموضوع فهو يحتمل كلاماًً كثيراً ومثيراً . ولكن هذه المرة نتكىء على تصريحات نائب حالي ونائب سابق ورجل دين ، صحيح أن ما صرحوا به سمعناه وقرأناه من قبل لهم ولغيرهم، فإن الصحيح أيضاً ونقول ذلك جازمين بأن كل الذي قيل وكل الذي سمعناه، وكل الذي قرأناه ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج الذي يخفي تحته ما يخفي من مفاجآت وأخطاء نخطىء اذا ما ألقينا كل تبعاتها على النواب..! الأول هو النائب عادل العسومي فما قاله يستحق التأمل والتحسب من سائر الوجوه ، وهو قول موثق ومنشور لم ينفيه أو يكذبه أحد لا في اليوم التالي ولا في بعده وعلى هذا الأساس يفترض أن نعتبر مضمونه صحيحاً 100% ، الرجل ينبه إلى أن بعض الوزراء أصبحوا تحت إمرة كتل نيابية، ويذهب إلى القول إن ثمة وزراء تجاوبهم أضعف مع النواب المستقلين ، وذلك مقابل تعاون أكبر مع نواب الجمعيات الإسلامية وأن هذه صورة لا يمكن اخفاؤها ، الأمر الذي يجعل هؤلاء الوزراء تحت إمرة هذه الكتلة النيابية أو تلك الجمعية ، والرجل على حق عندما لفت إلى خطورة ذلك على الدولة وحين ناشدها إلى التنبه إلى ذلك ، وهو محق أيضاً في اعتباره إلى أن ذلك يمثل لعبة خطيرة لأنها تتيح تجاوز الكثير من الثوابت المبدئية ، وعلى الجميع التنبه جيداً لهذه الإشارة التي قال فيهـــا: “ اذا كشفت حالة فساد وتأتي مجموعة من النواب أو تكتل وتتفاهم مع هذا الوزير أو تلك الجهة على قاعدة ( شيلني واشيلك ) تتم المساومة على تخفيف الضغط مقابل توظيف شخص أو مجموعة في مكان ما خصوصاً موضوع التوظيف تم استغلاله من قبل البعض بصورة مشينة “، وأن هناك نواباً كانوا معدومين أصبحوا اليوم من أصحاب الملايين.. !! ذلك ما قاله النائب الحالي .. وهو كلام خطير ما كان ينبغي أن يمر مرور الكرام ويحتاج نقاشاً لابد أن يكون مسؤولاً وجدياً في آن

 ، أما النائب السابق يوسف زينل فهو الآخر سبق أن قال كلاماً خطيراً مشابهاً ، ما كان ينبغي أن يمر هو أيضاً مروراً عابراً ، لأنه بذلك يكشف عن جانب آخر من الصورة التي توضح التردي الذي تدمغ به الممارسة النيابية وتدينه حقاً ، فالرجل أعلن على الملأ بأن المصالح الخاصة هي التي كانت تحكم أسئلة بعض النواب للوزراء وهي أيضاً التي تحكم الممارسات التي تمرر تحت الطاولة ، ومن الواضح أن الرجل لا يلقي الكلام جزافاً، وإنما يتحدث من واقع معايشة لمدة أربع سنوات من عمر التجربة البرلمانية التي شهدت ولازال تشهد ممارسات حيرت الناس وانكأت جروحاً لم تلتئم وكشفت عن تقيحات لم تمتد إليها يد بالتطهير والعلاج ، واذا كانت الأسئلة النيابية المقدمة من بعض النواب والتي يفترض أنها أحد الأدوات الرقابية تكون مملاة من قبل بعض الوزراء لتوجه لهم من أجل تبيان رسائل معينة للقيادة أو لإظهار أعمال وإنجازات الوزير للبهرجة الإعلامية والكلام هنا للنائب السابق، فإن ذلك برأينا ما هو الا تعبير عن أداء سياسي رديء للبعض من النواب والوزراء على حد سواء، وهو بالنهاية أمر تماماً كما هو الأمر السابق يعبر عن أحد أوجه الخلل والفساد الذين نلح على ضرورة مواجهتهما بمنتهى الجدية والحسم.

 أما القول الثالث .. قول رجل الدين ، فهو لخطيب مسجد جامع نوف النصار بمدينة عيسى الدكتور عبدالرحمن الفاضل فهو في سياق تعليقه على ما كشفه النائب العسومي ، ينوه في إحدى خطب يوم الجمعة بخطورة ذلك القول، خاصة أن قائله هو من داخل البيت النيابي ومطلع على خبايا مجلس النواب وخفاياه ، ويؤكد بأن ما أدلى به النائب لا مرية فيه ولا ريب بعد أن مر وقت على طرحه دون أن تسارع جهة ما تكذب أو تفند ذلك القول ، ونتفق معه في دعوة النواب والمؤتمنين على مقدرات الشعب ومصالحه بأن تكون مواقفهم واضحة وشفافة لأنه من البداهة أن يكون هؤلاء في منأى عن التربيطات والمساومات والتحالفات والممارسات التي لا يمكن تفسيرها إلا ضمن باب الفساد. ما الذي يعنيه ذلك كله؟! أحسب أن يثير مخاوف مشروعة، خاصة وأن أخطر ما يعنيه ذلك هو أن هناك البعض ممن يفترض أنهم يتحملون مسؤولية النهوض بالمجتمع وحل المشكلات التي تواجه الناس ويدعون العفة والنزاهة باتوا يفتقدون ذلك ، بل أصبحوا جزءاً من مشكلات المجتمع وعبئاً عليه ومنهم بطبيعة الحال نواب يفترض أنهم يمثلون الشعب ويذوذون عن مصالحه ، وهذا يعني بأن المعركة ضد الفساد معقدة إلى درجة أكبر مما نعتقد، ومتداخلة في أمور كثيرة إلى درجة نحسب بأنها أصبحت مقدسة من منظور ديني وأخلاقي واجتماعي واقتصادي وسياسي ووطني. هذا أولاً .. وثانياً .. إن بعض من يفترض أنهم معنيون بقضايا الديمقراطية والإصلاح والتغيير هو أولى الناس بأن تقتلعهم رياح الإصلاح والتعبير ، وأن من يتوهمون ويحاولون إقناعنا بأن مظاهر الجعجعة انتصارات ، وأن الربح الخاص انجازات عامة هم حتماً واهمون . وأخيراً .. إنه يعني في المحصلة النهائية بأن منهج الفساد صار شائعاً على نحو كبير ليشمل من يفترض أنهم يحملون لواء محاربته والتصدي له، كما أنه يعني أيضاً أننا بحاجة الى جرعات من الشفافية والمحاسبة والنزاهة والصدق في العمل العام .. وهذا أمر لن نتوقف أمامه ، ليس إقلالاً من أهميته ، ولكن لأنه من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى مزيد من الكلام.. !!