المنشور

في معرض دمشق للكتاب

خلال زيارة سياحية قصيرة قمت بها مع العائلة لمدينة حلب السورية تعرفت إلى أحد مثقفي هذه المدينة ألا هو الأستاذ الباحث في التاريخ محمد شقال الذي آمل ان اخصص قريبا عمودا قادما حول أهم دراساته التاريخية القيمة المهمة.. وما ان علمت منه بفعالية معرض مكتبة الأسد للكتاب ولم يتبق عن انتهائها سوى يومين فقط حتى حزمت مع العائلة حقائبنا على الفور استعدادا للتوجه الى دمشق التي لم تكن في الاصل ضمن برنامجنا السياحي. وهكذا تمكنت من اللحاق بهذا المعرض في مساء آخر يوم له، واعتبر نفسي بذلك محظوظا بزيارته باعتباره المعرض الذي لطالما قرأت عنه كثيرا وراودتني الرغبة الشديدة لزيارته منذ سنوات بعيدة لولا الظروف التي حالت دون تحقيق هذه الأمنية في أوقات المعرض السنوية، ذلك بأن سوريا هي واحدة من أكثر الدول العربية التي تحتضن دور نشر عديدة وتباع كتبها بأسعار تعد رخيصة بالنسبة إلينا نحن الخليجيين. كما أن المعرض يستضيف عددا كبيرا من المكتبات ودور نشر في معظم البلدان العربية واسعارها بالعملة السورية لا شك تقل عن أسعارها حينما تباع في معارضنا الخليجية.
لكنني فوجئت بعدما وصلت إلى دمشق ان الاعلانات عن المعرض تكاد تكون معدومة في شوارعها الرئيسية ان لم تكن معدومة حقا، كما ان المعرض تم نقله من مكتبة الأسد قرب نهر بردى إلى منطقة نائية عن المدينة بالقرب من المطار. ومع ان القائمين على المعرض قد وفروا حافلات لنقل زوار المعرض من محطات محددة بقلب المدينة (من منطقتي باب توما والبرامكة)، إلا أن ذلك لم يساعد على جذب وتشجيع أكبر عدد من الزوار تبعا لمتابعتي للصحف السورية اليومية.
مع ذلك فقد كان المعرض لزائر عربي مثلي فرصة بالنظر لضخامته التي فوجئت بها حيث استغرقت زيارتي له زهاء خمس ساعات متواصلة لم أف خلالها بكل قاعاته التسع أو أكثر التي تناهز سعة معظمها قاعة معرضنا برمته، وفي كل منها أيضا أجنحة واسعة لعدد كبير من دور النشر العربية والسورية، وبالاضافة إلى رخص العديد من الكتب وليس كلها بالعملة السورية وهي الكتب ذاتها التي تباع في معارضنا ضعفا أو ضعفين بالنظر لمعادلة الليرة كمائة فلس والجنيه المصري كدينار، فثمة ثلاث ملاحظات لفتت نظري في بعض اجنحة معرض دمشق للكتاب:
الملاحظة الأولى: تتمثل في ان بعض الاجنحة الرسمية لبعض الدول الخليجية النفطية الثرية تعرض كتبا ومجلات قيمة بأعداد هائلة للتوزيع المجاني على الزوار وهو ما لا تفعله للأسف في اجنحتها بمعارض البحرين للكتاب اللهم كتبا ومجلات محدودة وجلها للأسف للعرض لا للتوزيع، وحينما زرت هذه الاجنحة الخليجية واستفسرت عن بعض الكتب والدوريات والمجلات القيمة الصادرة عن دور نشر رسمية ووجدتها لدى سوريين وعرب قيل لي انها نفدت.
الملاحظة الثانية: تتمثل في وجود جناح خاص بالولايات المتحدة في المعرض مما يعكس رغبة واضحة لدى دمشق لتحسين علاقتها بواشنطن لكن كتب المعرض معظمها لم تكن كتبا دعائية صرفة بل كتبا مترجمة علمية وادبية واجتماعية وسياسية لمؤلفين امريكيين مستقلين وان تساوقت آراء بعضهم مع السياسات الرسمية، وكان من حسن حظي ان واحدا من تلك الكتب المعروضة كتاب الرئيس الامريكي باراك اوباما “أحلام من ابي” الذي اوشكت كميته على النفاد عند شرائي نسخة منه وقد بيع منه كما علمت اكثر من 300 نسخة وكان سعره المخفض 200 ليرة بما يعادل دينارا وستمائة فلس فقط.
الملاحظة الثالثة: ان القسم الاكبر من كتب الجناح الروسي في المعرض هو من اصدارات دور النشر السوفيتية السابقة وخاصة الكتب العلمية والادبية والتاريخية في حين كانت الكتب السياسية السوفيتية محدودة، ولم تكن تلك الكتب بأسعارها الرمزية البخسة المعروفة التي تتميز بها في عصر الاتحاد السوفيتي.
ولو ان حكومة الاتحاد الروسي الحالي امعنت النظر في مشروع لإعادة طبع ونشر الكتب السوفيتية السابقة، وعلى الاخص العلمية والجغرافية والادبية وتنقيحها، ولها ان تستبعد إذا شاءت الكتب السياسية الدعائية الايديولوجية السابقة، وبأسعار معقولة فكم تساعد بذلك على توثيق علاقاتها الثقافية مع البلدان العربية.

صحيفة اخبار الخليج
2 اكتوبر 2009