ترى.. هل علينا أن نتفاءل هذه المرة أم علينا أن ننتظر حتى تتكشف حقائق جديدة حول التوجهات التي تم الإعلان عنها رسميا بخصوص مشروع إعادة تأهيل خليج توبلي؟ سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة محافظ الجنوبية ورئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية أعلن أن مشروع إعادة التأهيل قد بدأ عمليا وسيستمر لمدة 6 أشهر. لسنا متشائمين بطبيعة الحال، فقط نحتاج أن نتيقن هذه المرة حول جدية التوجهات الرسمية المعلنة، فقد سبق أن أعلنت توجهات مشابهة في هذا الشأن لكنها لم تصمد نتيجة لعدة اعتبارات لم تعد خافية على أحد.
في مقال سابق ذكرت أن خليج توبلي ليس في حاجة الى المزيد من لجان التحقيق أو الأسئلة البرلمانية أو حتى إلى تشريعات جديدة، بل هو في حاجة إلى قرار سياسي على أعلى مستوى يكفل جدية العمل ويتحمل مسؤولية حماية الخليج، وها هي التوجيهات قد جاءت من قبل جلالة الملك حفظه الله بالبدء في مشروع إعادة التأهيل، وتم بالفعل تخصيص ميزانية لذلك، كما اُعلن عن خطوات إيجابية أتت منسجمة ومتوافقة مع تقرير لجنة التحقيق البرلمانية السابقة التي خصصت تقريرها لرصد التجاوزات ووضعت الحلول التي أصبحت بعد ذلك بعهدة الحكومة للمباشرة في تفعيلها، حيث حددت ولأول مرة خط الدفان الذي اتفقنا عليه حينها مع الحكومة والمجالس البلدية وصدر بشأنه مرسوم ملكي، هذا بالإضافة إلى تعميق قاع الخليج وفتح قنواته لدفع التيارات المائية بصورة أكبر، وغلق منافذ المصانع الواقعة على ضفاف الخليج والأهم إغلاق محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر باعتبارها أكبر عوامل التدمير التي لحقت بالخليج.
لست متأكدا فيما إذا كانت فترة 6 أشهر من الزمن ستكون كافية لإصلاح سنوات من التدمير الممنهج الذي حاق بالخليج، أو أن تكون ميزانية 4 ملايين دينار كافية بالفعل لإعادة الخليج المختنق بدمار سنوات من الإهمال والعبث، لكن ما أنا متأكد منه أن المشروع وقد بدأ على الأقل فإنها ستكون مسئوليتنا جميعا في أن نكون عينا تراقب وسواعد تدعم وتعمل ليل نهار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأن سمو الشيخ عبدالله كان قد ذكر بوضوح أنه سيعلن عن الخطوات المنجزة خطوة بخطوة وستلتزم الهيئة بالشفافية في عملها وعلى أعلى مستوياتها.
نحاول جاهدين بأن نتفاءل هذه المرة، وعلى الجهات المعنية بالبيئة أن تكون عينا مراقبة لما سيتخذ من خطوات نرجو أن تكون فاعلة ولا تتوقف مهما كانت الظروف، ونرجو أن لا يتعثر مشروع إنقاذ الخليج هذا مهما تداخلت المصالح، خاصة إذا علمنا أن التوجهات الرسمية التي تم الإعلان عنها مؤخرا تنبئ ببداية استشعار المسؤولين لمخاطر ما درجنا على ترديده باستمرار نحو ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لحماية البيئة والحفاظ على الثروات البحرية المهددة بفعل عوامل عدة، يأتي على رأسها الردم العشوائي المستمر بحجة التوسع في مشاريع تنموية، بالإضافة إلى ما تتعرض له بيئتنا البحرية من تلوث وتدمير مستمرين.
وهنا يمكننا التأكيد على أهمية التوجه الذي أعلنته الهيئة ببناء عدة فشوت وهيرات صناعية تعيد الحياة مجددا إلى المناطق التي تحيط بمناطق الدفان والردم، ولكن يبقى السؤال هو: لماذا إذاً يستمر الردم والدفان وتدمير الفشوت والهيرات دون مسؤولية؟!، ولماذا لا يتم إلزام من يدمرون بحرنا بدفع تعويضات لإصلاح ما اقترفت أيديهم ومشاريعهم من تدمير للحياة البحرية والفطرية؟! بدلا من الحديث عن إعادة بناء ما تم تدميره على حساب الدولة، سواء كان ذلك على شكل فشوت وهيرات صناعية أو تنظيف للقيعان البحرية من طمى ومخلفات، كتلك التي دُمر بها خليج توبلي من قبل أكثر من 7 مصانع لا زالت تلقى حتى اليوم بسمومها ومخلفاتها دون أدنى مسؤولية؟!
أليس من حقنا أن نطالب تلك المصانع وأصحابها ممن راكموا أرباحهم لسنوات طوال بتسديد ولو جزء بسيط من فاتورة تدميرهم المنهجي لأهم مصدر وطني للثروة البحرية؟ أليس مجديا أن تُلزم الدولة أصحاب المصانع ومن يبنون مشاريعهم الاستثمارية على حساب ثرواتنا بتسديد فاتورة طال انتظار تسديدها؟ أسئلة تطرح منذ فترة ونعيد طرحها، بعد أن تلمسنا شيئا من جدية التوجهات الرسمية بإصلاح ما أفسدته السياسات السابقة، حتى نستعيد ثقتنا مجددا في جدية التوجهات الرسمية!