­

المنشور

أكثر من مسألة الطالبة نور !!


تابعت مثل غيري من الغيورين على المشروع الإصلاحي، والغيورين على الجيل الجديد من الانحراف نحو العنف في زمن الانترنت، ذلك الجيل الذي نسعى جميعنا منحه فرصة أن يعيش الحياة بشكل مختلف عن وقتنا، فنحن جيل المعاناة والبوليس والملاحقة، يهمنا مستقبل الأبناء خاصة التحصيل العلمي، ولكن في الوقت ذاته يهمنا أن نقدم لمجتمعاتنا جيلا شجاعا يقاتل من اجل الحرية دون تردد، ويختار حياته مثلما يريد ويعمل من اجل بناء وطن جديد لا تظلله السحابات السوداء غيوم الأمس ولا سحابات اليوم التي ما زالت تسكنها وفي داخلها روح القمع والأبوية المستحكمة .

ما نراه في قضية الطالبة نور، – والذي تعرض له السعيدي ومدن والجمعيات الشبابية، غير إن المسألة أيضا لها بعد اخطر من مجرد بيان شبابي أو نقابي وسم بالتحريض، فهناك حياة واسعة تفرض ظلالها في داخل الأروقة الجامعية ومناهجها التعليمية ونهجها الإداري ” المقدس والممنوع لمسه ” طالما إن هناك علاقة أبوية بين المؤسسة والطالب، وعلى الأول أن يمارس سلطته كيفما ومثلما يشاء دون مساءلة أو نقدا قادما من الجهات الأربع يعري حقائق مجتمعية قابلة في نموها – إن لم يتم التحريض ضدها – نعم التحريض هي كلمة تبدو مخيفة ومرعبة وكأنها شيطان ضد القانون السماوي والأرضي ، وعلى الجيل الجديد أن ” يركع لها ” وعليه أن لا يسأل لمن يركع ولماذا يركع .

هكذا تسعى عقلية الأمن الاجتماعي والأخلاقي والمؤسساتي لإيقاف مفردة ” التحريض ” التي هي تعبير حقيقي عن كسر القبول بالمسلمات، ورفض الوصايا دون مناقشتها، وكأنما الفرد أو المؤسسة سلطة متناهية القوة، وعلى الصغار !! من نوع نور أن يسمعوا نصائح الكبار، الآباء الجدد وهم الذين يعتقدون أن السيطرة على الهدوء الطلابي المستمر هو أمر ممكن طالما هناك ” عصا غليظة ” تمتد لسعتها إلى ابعد مما نتخيل .
 
هكذا تتحول المؤسسات العلمية إلى أمكنة للقمع والاضطهاد الروحي للشباب، متناسية إن القمع يخلق الإرادة والعصيان والتحدي والكبرياء، لطالما شعر صاحبها بأنه ظلم في حقه، وتطاولت عليه الإدارة لمجرد أنها تمتلك ” صكوك العقاب المؤسساتي ” التحريض بات كلمة يرتعش منها البعض في مجتمعنا – ولا اقصد فقط الإدارات التسلطية التي ترى في نفسها حقا لفعل ما ترغب، ثم تعيد تكرار لغة سمعناها منذ نصف قرن في بلدنا من بعض الشركات حول ” المشاغبين الذين يكسرون القانون ” فيطردون من الشركة الأجنبية وتتحالف معها المؤسسات الأخرى في الدولة، لمجرد إن التقرير قال عنا إننا كسرنا القوانين ولم نحترم ولم نستمع ولم نخضع ولم ولم .. هكذا على الصغار، والذين سيكون مستقبل بلدنا على أيديهم يتعاطون السياسة المحرمة! انه جيل نور برمته مهما وجدناهم يمارسون سلوكا شبابيا طبيعيا له علاقة بعنفوان العمر ، وهو نهج لدى شبيبة الشعوب قاطبة.

هذا ما لم يفهمه الكبار إزاء الصغار ، الآباء إزاء الأبناء، حيث الصوت العالي في البيت ترتج له الجدران، والصوت العالي هنا وهناك عليه أن يكون مخيفا، وكأننا نسعى لخلق جيل متخاذل ومنكفئ وجبان وخانع وسلبي، جيل يعتقد أن الوظيفة هي الحرية والمنصب هو الكرامة والشهادة في هذه الجامعة أو تلك هي نهاية المطاف. حيث المعرفة والتعليم ليس كلمات جوفاء نتعلمها على يد أنماط ثقافية من الرعيل المتسلط. المسألة ليست منشورا وسلوكيات ” سياسية ممنوعة ” وإنما بيروقراطية مؤسساتية لديها سلطة معلنة وخفية في ملاحقة النشطاء من الطلاب، إما خشية من المجهول أو فوبيا إدارية لا معنى لها.

ألم تجد الإدارة خيارا وعلاجا إلا مفردة ” التأديب والفصل ” وهي عبارة مقيتة لا أحبها لأسباب عدة ولكون من يمارسون التأديب لا يتحلون بشجاعة كافية في مواجهة المجتمع الأقسى والأقوى سلطة، والمعنيين به جميعا لتأديبه بهدف توسيع معنى الحريات ودولة القانون وإشاعة روح الحوار الخلاق وثقافة الفضاء الحر للإنسان.
لم تكن قضية الطالبة نور إلا قضية تذكرني بابنتي فانا اعلمها على أسس الدفاع عن حقوقها وكرامتها ومستقبلها بشتى الطرق، اعلمها الإنسانية وقيم أخرى نبيلة، ثم بعد ذلك أجد ابنتي في البيت تقول لي ” بابا فصلوني من الجامعة لأنني كنت أراك أمامي تدافع عن الحرية “.

اعتقد إن الضغط الشديد والمدرسة القديمة في التربية ماتت ولن تعود، كما إن الظلم يولد لدى المواطن / الطالب الكراهية والانتقام من المؤسسة أيا كان نوع تلك المؤسسة، بل وينتقل حقده الصغير ضد الجامعة إلى حقد أوسع إن لم يناضل ويدافع الطلاب عن حقوقهم النقابية في أروقة الجامعة وفي أمكنتهم الطبيعية فأين هي الأمكنة التي بإمكانهم ممارسة حقهم الطلابي ؟ لا اعرف اليوم من الذي كان على حق الدكتور علي حميدان أم إدارة الجامعة تلك في العام الدراسي 1968-1969 ، حين استشاره طلبة البحرين في فكرة تأسيس اتحاد طلبة البحرين، فحرضهم الدكتور على حقهم في وجود مؤسسة تدافع عن حقوقهم، وكان تحريضا جميلا لرجل قانون ودولة ويفهم ما يقوله، فكان على الإدارة أن لا تجدد عقده ، إذ كان العقد لمدة سنة . أليس التحريض هنا كان أمرا شرعيا ؟