المنشور

جامعة البحرين والحرية الفكرية


منذ نعومة أفكارنا وهذه الوزارة لا تفقه ثقافة الحرية.
مدارسها أقفاص كبيرة من الحجر.
معلموها المتعبون الفقراء منهكون في فصولها الحاشدة بالطلبة.
يجري التعلم الحق خارجها في الكتب الحرة وفي التيارات السياسية المنشطة لحرية العقل.

طردت أفضل المعلمين، اهتمت بتعليم الحشو والحفظ فوجدنا انه من الصعوبة أنها تنتج ثقافة حرة ومتألقة داخلها، وعلى مدى عقود نتساءل أين المبدعون المنتجون فيها؟ أين العباقرة؟ أين القصاصون والرواة والمسرحيون والفنانون الكبار؟ أين العلماء؟ لماذا لم ننتج ممثلاً واحداً كبيراً؟ والخليج الذي علم الطلبة في أجواء عدم الخوف أنتج حتى في مدنه الأخيرة ممثلين كباراً لا يخافون وينشرون المرح والوعي في عشرات المسلسلات والأفلام، أما الذين ألفوا الكتب الكثيرة والكبيرة فهم الذين فصلوا من سلك التعليم في هذه المدارس.

لماذا لم تستطيعوا أن تنقذوا بناتنا وأولادنا من الطائفية ومن أفكار الظلام والارهاب؟ أين كنتم؟
لماذا هذه المؤسسات التعليمية مثل أبراج بابل والتعليم الوطني أين هو؟

نعرف كيف نشأ المبدعون وكيف ظهروا وذلك حين هربوا من هذه المدارس، وتعلموا خارج مناهجها، في أجواء عدم الرعب، في أجواء تفتقد الكشافات المسلطة على الكلمات والمكبرات التي تتابع كل حرف وتخشى من نملة الفكرة الخطرة.

ولهذا لا عجب أن تكون جامعتنا “الوطنية” تتويجاً لهذا التاريخ.

حين نسمع عن أن طالبة في هذه الجامعة تم توقيفها وتم استجوابها نقول هذا الشبل من ذاك الأسد.
هل الجامعة يجرى فيها استجواب؟
أأستاذ جامعي يستجوب؟
أأستاذ جامعي يحاكم قراطيس الطلبة الانتقادية الاجتماعية؟
أإدارة جامعية تحقق وتعاقب طالبة لنقد؟

فكيف يُطلب أن تكون الجامعة أساساً لفكر الحرية والتنوير والوطنية والهرم الذي تقوم عليه لا يستند إلى ذلك، فهو بناء قائم على التلقين والحفظ، وعصا الناطور، وعلى المدرس المحقق في الضمير والرأي الحر؟ والجامعة ليس معناها هذا بل معناها البناء الفكري الجامع لكل الأفكار البشرية المتناقضة والمتضادة والمتوهجة بخصبها وتنوعها، وحين يدخل الطالب الجامعة يعني أنه يدخل هذه التعددية الخصبة ويجاهر باختلافه ونقده لأنظمة الجامعة ومناهجها وأفكارها فيتحول حينئذٍ إلى طالب جامعي حقيقي، يجمع المعرفة ليؤسس معرفة جديدة.

لكن أن يتحول البناء الجامعي إلى مدرسة ثانوية أخرى تحشو وتمنع تعدد الأفكار وتخاف من قراطيس الطلبة السياسية، وتخاف من الرسوم الكاريكاتيرية والمجلات الحائطية ومن القصص والأشعار وأفلام الطلبة، (وحاش لطلبتنا المجمدين أن يبلغوا مثل هذه الأنشطة (الهدامة) المنتشرة بوفرة في كل جامعات العالم)، فهو استمرار للمدرسة الثانوية المسورة بالأسلاك الشائكة والجدران العالية.

إذاً هي خيرُ خلف لخيرِ سلف، تضربُ بعصاها العقابية أصابع هذه الفتاة وتدميها، حتى لا تكرر فعلتها مرة أخرى وتفكر وتنشر انتقادات، والعصا تتبدل وتصير إسقاطاً من فترة تعلم، لأن العصا في الجامعة تكون فضيحة، فلتكن معنوية ملغية لنشاط ودراسة، ولتصر إذلالا فكريا وتحقيرا معنويا، فهذا أشد مضاءً من فناني العقاب.

حتى لو تم التراجع عن هذا القرار فتلك وصمة عار.

ذلك دليل على المستوى المعروف لوزارة يُفترض أن تكون تتويجاً للإبداع والخلق لا الخنق.
إنها قضية تبين أي مستوى نعيشُ فيه، وضخامة الأحجار التي تـُقذف على الثقافة خاصة والتعليم والفكر الحر.

صحيفة اخبار الخليج
20 سبتمبر 2009