­

المنشور

عندما يتداخل الخطأ بالخطيئة

ثمة قضايا وأحداث تناولتها الصحافة في الآونة الأخيرة لا يجب أن تكون بعيدة عن دائرة الاهتمام والملاحظة والتناول، ونرى بأن ثمة ما يستدعي رصدها ودراستها وتحليلها، وان كنا في هذه المشاهد التي تجري أمامنا تباعاً نرى أنه بمقدورنا ونحن نودع الشهر الفضيل أن نكتشف على الأقل فضيلة لا يملك المرء إلا أن يعترف بها أياً تكن درجة الامتعاض والاستياء، وأيا تكن دلالات هذا الذي جرى ويجري، وهي فضيلة الاعتراف بأن واقعنا لايزال يزخر بمساحة لا يستهان بها في الكم والنوع من الشطط التي تستوجب المعالجات الحصيفة التي ربما تتجاوز الصدمات الكهربائية، لعلنا بذلك نكون أكثر قدرة على مواجهة المشكلات وعلاج الأخطاء وكل أوجه الخلل والفساد وتصحيح المسار. خذوا مثلاً هذا اللغط الجاري حول حادثة الاعتداء التي تعرض لها أحد أعضاء مجلس بلدي المنامة، فبصرف النظر عن التسوية التي تمت والتي جرى الإعلان عنها قبل أيام وعن غلق هذا الملف، إلا أن هذه القضية، وكل قضية مشابهة تغري بالكثير الكثير من الكلام تفسيراً وتحليلاً وتوقعاً واجتهاداً واستنتاجاً، وهو أمر يستحق ذلك وأكثر، لذا كان بودنا لو قامت جهة رسمية ما بالتوضيح والتفسير لما جرى ووقف هذا اللغط الذي دار حول قضية المحزن فيها دلالاتها.. وما أثارته من تساؤلات حول دولة القانون، وسيادة القانون، ومدى القدرة على انفاذ القانون على الكبير قبل الصغير، والقوي قبل الضعيف. وليس خروجاً على السياق فيما يخص الأخبار والقضايا التي تغري بالكلام الكثير، منها كمثال تلك القضية ذات الصلة بالطالبة نور حسين والتي تأتي في وقت تتبنى فيه الدولة برامج للتنمية السياسية وأنشأت معهداً خاصاً يعنى بالتنمية السياسية، ومن هذه الزاوية ننظر الى تصرف الجامعة حيال هذه القضية بأنه أمر محزن لا ريب، فهو يثير تساؤلاً عن أي تنمية سياسية تنشد الدولة اذا كان الفعل الاحتجاجي على مطالب جامعية بالشكل الذي شهدناه.. وما جدوى الندوات والمحاضرات حول التنمية السياسية اذا كان التمرين العملي على التنمية السياسية يثير قدراً من الإحباط والتشاؤم والعقاب، خاصة وأنه من البديهيات أن الجامعة ليست فقط مكاناً للدراسة الأكاديمية، وإنما هي أيضاً منارة ينعكس أشعاعها على المجتمع، وهي من هذه الزاوية كان من المتوقع أن تلعب الجامعة دوراً في التنمية السياسية والديمقراطية وليس دوراً في القمع وإخراس الأصوات. وإلى جانب ذلك ربما من المفيد أن نتوقف أمام خبر قيام أحد المستشفيات الخاصة الكبرى بمضاعفة أسعار فواتيره على المرضى فور علمهم بأنهم يحظون بتغطية تأمينية، مما أدى بمعظم شركات التأمين الى إسقاط المستشفى من تغطية التأمين الصحي..!! وهو أمر له دلالته التي لا تخفى على من لا تنقصه الفطنة والحصافة والبصيرة، تماماً كما هو الحال بالنسبة لقيام بعض الأجهزة بنشر اعلانات عن وظائف رسمية في الداخل والخارج، ويتقدم كثر من الجامعيين وأصحاب المؤهلين ممن يحلمون بوظيفة ويجرون الاختبارات والمقابلات، وفي النهاية يكتشفون بأنهم مجرد كمبارس في مسرحية حينما يجدون بأن الوظائف المعلن عنها هي من الأصل والأساس محجوزة للبعض ممن هو محسوب على هذا أو ذاك، أو هذه الجمعية أو تلك، أو تيار ديني بعينه، في صورة تغتال فيها المقاييس وتهدر المعايير وتغيب مبادىء تكافؤ الفرص وكل معاني الشفافية، ولعل تصريح النائب عادل العسومي من أن هناك وزراء أصبحوا يتعاملون بكل وضوح تحت أمر هذه الكتلة النيابية أو تلك، أو جمعيتها، لعل هذا التصريح يلفت الانتباه إلى وجه آخر ليس فقط لقضية التوظيف والتعيين وطرق تصعيد البعض وهو الملف الذي تم استغلاله من قبل نواب وغيرهم بصورة مشينة، وإنما أيضاً هو أمر يلفت الانتباه الى مشكلة تواجه مجتمعنا، ولا داعي للاستفاضة لأنني أحسب أنها معلومة للجميع. في الحالة الأولى – ونشدد على أنها مجرد مثال – تكمن المشكلة التي تواجه مجتمعنا في تضييع المعايير التي تحكم الخطوط الدقيقة الفاصلة بين المشروع والممنوع، بين إغراء الكسب السريع أو المغانم الخاصة على حساب المنافع العامة، وفي الحالة الثانية فإننا نحسب بأنها تعبر عن أمور سلبية عدة في مجملها وفي تفاعل بعضها البعض توصلنا بالنهاية واقع أقل ما يمكن أن يقال فيه بأنه يفتح مع سبق الإصرار والترصد الباب الذي تأتي منه الريح، واللبيب من الإشارة يفهم. على أي حال هناك العديد من القضايا والأخبار والأحداث التي يمكن التوقف عندها ولا يجب أن نجيز لأنفسنا الغفلة عنها لأنها في جزء معتبر من تفسيرها تمثل استعراضاً لعناصر مشهد الحياة في بلدنا.. أخبار وحوادث لا يستطيع المرء حيالها أن يخفي شعوره بالأسى، وهو أسى مركب، مرة للفعل، ومرة ثانية لردة الفعل، فعل المعنيين وردة فعل من يفترض أن يتحملون مسؤولية المواجهة والمعالجة لاسيما أمام تلك النماذج من القضايا والأحداث التي يتداخل فيها الخطأ بالخطيئة مع قناعتنا التامة بأن المسؤولية ستبقى دوماً لمن يتحملها لا لمن يحملها..!
 
صحيفة الايام
19 سبتمبر 2009