كنا قد أخذنا أكثر من مرة، في هذه الزاوية، على القطاع التجاري وكبار رجال الأعمال الذين يمكن إن نعدهم في الخانة الليبرالية ترددهم، لا بل وعزوفهم، عن اقتحام مجال العمل السياسي، ولذلك أسباب موضوعية تراكمت عبر الزمن لم تجعل لهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد وفي المجتمع ذراعه السياسية، ليس بالضرورة على شكل تجمعات أو تنظيمات سياسية، وإنما على صورة دور مستقل للقطاع التجاري المؤثر إزاء الدولة وإزاء التيارات الأخرى، خاصة المحافظة منها، على النحو الذي نعرفه في الكويت مثلاً. ولكننا سنفترض أن عاملا ايجابيا قد نشا ببروز عدد من الوجوه الشابة من رجال الأعمال ذوي الذهنيات المتفتحة، وغير البعيدة عن آليات الحراك الاجتماعي – السياسي الراهن في البلد، مع أجواء الانفتاح الراهنة، وتجلي الصراعات الاجتماعية في معارك انتخابية على مقاعد السلطة التشريعية، التي لامناص لها من مواجهة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للبلد وفلسفة التنمية فيه، وهو أمر يفرض على القطاع التجاري أن يكون حاضراً، بما يتناسب ووزنه النوعي في البلد، في البرلمان. ونحن نتفهم أن العوامل الموضوعية التي تراكمت مع الزمن قد حالت دون أن يقدم هذا القطاع وجوهه القادرة على خوض المعترك السياسي، لكن بوسع هذا القطاع أن يدعم وجوهاً أخرى تلتقي في الإطار العام مع البرامج الاجتماعية والاقتصادية التي يتبناها القطاع التجاري في المجتمع ليس في الظرف الراهن فقط، وإنما في المدى المنظور أيضاً. أخذا بعين الاعتبار أن تجربة المجلس النيابي الحالي برهنت على أن غياب كتلة “ليبرالية” فيه، بالمعنى الواسع لهذا المفهوم، حول المجلس إلى ساحة مزايدة على برامج وشعارات، أبعد ما تكون عن طبيعة اهتمامات الناس الحيوية، وعن مستوى ما بلغه المجتمع البحريني من تطور اجتماعي، ويمكن للمجلس القادم أيضا أن يعاني من الأمر نفسه، إذا لم تبذل جهود في سبيل تمكين الشخصيات والعناصر الديمقراطية والمتفتحة من أن تجد لها حضوراً فيه. وهنا بالذات تكمن مسؤولية قطاع رجال الأعمال الذي يجب ألا يظل في موقع المتفرج، وأن يبادر لوضع آليات دعم للمرشحين الذين يمكن أن يعكسوا طموحات المجتمع في التعددية والانفتاح والتحديث. ولا نعرف إلى أي مدى يمكن أن نأخذ على محمل الجد، ما يتردد من أصداء في الصحافة عن توجه عدد من رجال الأعمال لدعم مرشحين للانتخابات النيابية المقبلة، وفي روايات أخرى رغبة بعض رجال الأعمال أنفسهم في أن يخوضوا المعترك الانتخابي، ولكننا في كل الأحوال سنجد في هذه الأصداء بوادر طيبة على استفاقة، ولو متأخرة، من قطاع رجال الأعمال في أن تكون له كلمته السياسية، لا على شكل تلميحات أو أقوال خجولة تردد في المجالس الرمضانية أو سواها، وإنما على شكل مشروع انتخابي له قواعده ومنطلقاته وآفاقه. يصلنا، في الجمعيات السياسية ذات التوجه الديمقراطي، لوم من بعض قطاع رجال الأعمال عن عجزنا في مجاراة نفوذ التيارات الاسلاموية في التأثير في الشارع، لكن إخوتنا في هذا القطاع لا يلاحظون أشكال الدعم الكبيرة التي تقدم لهذه التيارات التي تسهل من عملها وتأثيرها، بل أن بعض “الليبراليين” من رجال الأعمال شركاء في تقديم هذا الدعم، تقية أو خوفاً، ولكنهم بالمقابل يتجاهلون الظروف الصعبة التي يعمل فيها التيار الديمقراطي معتمداً على إمكانياته المحدودة.
صحيفة الايام
16 سبنمبر 2009