المنشور

معركة «نور» والعمل الطلابي

تعتبر المرحلة الجامعية واحدة من أجمل المراحل التي تمر في حياة أغلب من عايش هذه المرحلة ولاسيما إن كانت التجربة في بلد وثقافة مختلفة، قد يجنى منها المرء شتى التجارب التي تشكل الشخصية، وتعزز الثقة وتدرب الاعتماد على النفس في كل صغيرة وكبيرة، وتنمي روح العمل الجماعي المتمثل في العمل الطلابي.
هذا يحدث فقط في أجواء مناخية مفتوحة تؤمن بحرية الآخر وتؤمن بالرأي الآخر داخل الحرم الجامعي وخارجه، وبالتالي فشخصية الإنسان تصقل وتتطور؛ لأن هناك جامعتين يتخرج منها الطالب هي الجامعة الأكاديمية وجامعة الحياة وكلاهما يكمل بعضهما.
الحديث في هذا الجانب ناجم عن تجارب الكثيرين منا ممن عاش في الغربة ودرس في جامعات الغرب لسنوات طوال، عايش فيها الجو الطلابي والجامعي الحقيقي الذي لا يعني حضور مبنى الجامعة للمحاضرات فقط، بل التعايش الكامل والمشاركة في العمل الطلابي والأنشطة المختلفة بمعناها الصحيح.
وما حدث للطالبة نور حسين يعبر للأسف عن حال متردية داخل جامعة البحرين التي من الواضح أن كادرها الوظيفي يسعى إلى قمع أي رأي ناقد لإدارة الجامعة وأي شكل من الأشكال بالنسبة لتحركات الطلابية لكون الأمن هو المرغوب تفعيله داخل هذه الجامعة التي تمنع حتى على نفسها تدريس تخصص العلوم السياسية لكونه يُعد من المحرمات.
إن تحويل الطالب إلى أسير قرارات إدارية تعمل على منهجية أمنية وبوليسية تطالبه بعدم التعبير عن رأيه تناقض كليا أجواء الانفتاح السياسي التي تعايشها البحرين منذ سنوات، فما يحدث خارج أسوار الجامعة من حراك اجتماعي وسياسي وثقافي مازال يبدو غريبا على جو الجامعة المكبل بقيود حقبة أمن الدولة.
إن اللعب بالدرجات أو إلغاء فصل دراسي أو فصل من الجامعة أو توقيف أكاديمي وغيرها جميعها ممارسات معروفة لحقبة يمقتها الكثير من أبناء هذا الوطن، وغياب العمل الطلابي طوال الفصل الدراسي داخل الجامعة لا يعزز سوى الفرقة التي تجلت تماما في انتخابات مجلس الطلبة لأن الطالب ليس مسموحا له أو لها بالتحرك وطرح مواضيع ولا حتى إقامة أية ندوة لأن كل شيء ممنوع وكل شيء سياسة ولابد من أن تكون الجامعة محصنة من داء السياسة… ولكن العكس يجب أن يكون، وهو أن الجامعة يجب أن تتبنى وتنمي العمل الوطني وتفسح المجال للنشاط الطلابي الذي يؤثر في المجتمع إيجابيا. إن مطالب الطلاب جزء من العمل الطلابي والحس الوطني، وصقل الشخصية لا يمكن أن يتعزز داخل هذا الصرح الأكاديمي مادامت الإجراءات والعقليات تعيش حقب الماضي.
إن معركة «نور حسين» ليست معركتها وحدها بل معركة كل طالب بحريني يريد أن يمارس حقه في التعبير داخل الحرم الجامعي، الذي من المفترض أنه يتمتع بسمة الوعي والثقافة، ولا ينبغي للجامعة أن تجرم العمل الطلابي الذي يتضمن النقد والمساءلة… ولو تعلم الجميع أن يسمعوا للآخر لما تحوّل كل رأي إلى سياسة وكل نقد إلى شتم، وتفاقمت قضايانا الواحدة تلو الأخرى دون حلول جذرية.
 
صحيفة الوسط
15 سبتمبر 2009