المنشور

أوطان مستحيلة

هل باتت أوطاننا أوطاناً مستحيلة، غير قادرة على تدبر أمورها؟ في أكثر من بلد عربي هناك حرب أهلية ضروس أو ما يشبهها، وإن لم تكن في حالة حرب فإنها على شفا حفرة منها.. في اليمن حرب كبيرة في المناطق الجبلية في صعدة، وفي الجنوب بروفات لحروب صغيرة محتملة، ويعلو صوت وصدى قرقعة السلاح التي تنذر بأوخم العواقب، حين لا يلوح في الأفق أمل الخروج من دوامة الموت. في الصومال تفككت الدولة المركزية وعادت البلاد إلى قبائل تقاتل قبائل، وفي الجزائر لم تتعاف البلاد من آثار جنونها الدموي الذي دام سنوات في قتال عبثي لم يفض إلى شيء سوى الخراب والموت، وازداد المجتمع المنقسم على هويته انقساماً. وفي العراق لم ينته حكم الفرد إلا باحتلال غاشم، بعدما قاد هذا الفرد البلاد إلى مغامرات لا حصر لها، انتهت إلى “النهايات” التي نعرفها، قبل أن يأتي المحتلون فيهدوا ما بقي من أركان الدولة وجيشها ويدفعوا البلد إلى حمام دم مرعب تفوق أشكال القتل وجز الرؤوس فيه كل مخيلة، كل المحرم بات مباحاً، وصار على العراق بأبناء اليوم وبأجياله القادمة تسديد فواتير باهظة للعبث الدموي الجاري هناك. وتتنقل الكارثة في السودان من جنوبه إلى دارفور، كأن قدر هذا البلد أن يظل، هو الآخر، أسير محنة لا نهاية لها. ولا يبدو أن لبنان قادر على تجاوز محنه الكبيرة والصغيرة وهو الذي غرق في حرب طويلة أعادته عقوداً إلى الوراء، وما زالت مهمة إعادة بناء الدولة فيه عصية، إنها مستحيلة هناك أيضاً. وعلى السكة دول عربية أخرى مرشحة للتمزق والفتن والانهيار فالضياع. في جردة سريعة تعالوا نحصي بعض الخسائر الفادحة. اليمن الذي كان حلماً ذات يوم كفت عن أن تكون، وانهارت دولة الصومال واستحالت إلى غابة من السلاح. الجزائر العظيمة لم تعد تلك الجزائر التي يدرك جيلنا ما الذي كانت تعنيه يوماً، ولا ندري إلى أي مدى يمكننا القول أن السودان ما زال حزام العرب الجنوبي ومدخلهم الواسع إلى إفريقيا، أما العراق فلا ندري كم من السنوات يحتاج للخلاص من الندوب العميقة التي خلفتها الديكتاتورية والاحتلال. وفتش عن السبب: في الصومال وفي الجزائر وفي العراق وفي السودان وفي سواها، ستجده في ذلك الخلل العميق الناجم عن عجز الحكومات عن التفاهم والتصالح مع شعوبها، حين تجاهلت أن هذه الشعوب ليست كتلاً صماء عمياء تُقاد، وإنما هي مجموعة من الآراء والرؤى والمصالح، التي يجب أن تعبر عن نفسها من خلال الصيغ الديمقراطية التي تشركها في الحكم وتتقاسم معها الثروة، حتى تنبني أوطان قادرة على العيش والنماء، لا أوطان للتناحر، وشعوب تستخدم وقوداً في محارق الحروب العبثية. سيقول قائل: ماذا عن التدخلات الخارجية والمؤامرات والمصالح الدولية، وسنقول انها كانت موجودة ولن تكف عن أن تكون موجودة في المستقبل أيضاً، لكنها كانت تتغذى من أخطائنا وتنفذ من الثغرات التي تركناها ونتركها مفتوحة، فلكل من في هذا العالم مصالحه وحساباته، وهي في الغالب الأعمّ لا تتطابق مع مصالحنا وحساباتنا، حتى لو تقاطع بعضها معنا حيناً، وهؤلاء، فيما نحسب، ممتنون لنا لأننا نقدم لهم الذرائع على أطباق من ذهب حيث أرادوا.
 
صحيفة الايام
15 سبتمبر 2009