لم تكن قط ظاهرة الهلع الاجتماعي أو المجتمعي ظاهرة بحرينية أو شرق أوسطية، وإنما ظاهرة عالمية وإنسانية، غير أن للهلع مميزاته وأشكاله ومجالاته، بل ويخلق لدينا دوافع جديدة لإعادة النظر فيما حولنا بروح من المسؤولية كلما تحول الهلع إلى كابوس، والكابوس إلى سرطان دم يشبه الفوبيا المميتة عند عتبة الباب لشخص يخاف من ظله! الهلع الاجتماعي في عصرنا بات إخطبوطاً مضخماً بحديث المدينة التي تشبعت بمنظومة إعلامية ضخمة تصل بيوتنا في ظل وعينا المنكمش المحدود. فلقد بات هلعنا يطرق منذراً الأبواب بعد أن لمسنا أن الموت جاثم عند بوابة كل بيت. هكذا فعلت الكوارث الطبيعية في الأمم فأعادت صياغة مؤسساتها لمتابعة الظواهر بروح علمية وجادة واستشعارية، فوضعت على أسسها كيف تجعل من المجتمع شريكا مسؤولا عن أي كارثة مجتمعية أو طبيعية مهما كانت مستويات تلك المشاركة في مواجهة الكارثة التي خلقت لدينا هلعاً كأفلام هوليوودية مرعبة. ما فعلته وسائل الإعلام من مناهج سلبية في إرباك وترهيب للناس هي نفسها المؤسسة التي من جانب ايجابي أيقظت فينا روح الاهتمام بكل ما يدور حولنا من مصائب وكوارث، فقد تعرفنا على سقوط الطائرات ولمسنا عواصف ورياحا مدمرة لدى شعوب بعيدة ومياها وفيضانات بحور ومحيطات وانهر وشاهدنا كيف تموت الأشجار في الغابات المحترقة، ثم اكتشفنا حالة جديدة في عالم الزلازل من فصيلة “طوفان التسونامي” فعرفنا أن هناك ثقافة تختلف عن ثقافة طوفان نوح. ووجدنا كيف صارت الجسور العملاقة والأعمدة الضخمة مجرد لوحات كارتونية منهارة، كلها خلقت لدينا حالة وجدانية ونفسية عن أن الكون والعالم الخارجي ليس نائما عنا وإنما ظاهرة تتحرك بدوننا نحن البشرية المتكاسلة حيناً والحيوية حيناً آخر. ثم بتنا نرى الإرهاب جنبا إلى جنب الحروب المدمرة والأسلحة الفتاكة والجرثومية والبيولوجية، تلازمها بين فترة وأخرى أمراض وجراثيم وبكتريا لم نعرف مصدرها، فإذا بجنون البقر يجننا ويرعبنا، غير أن أمراض الطيور طيرت عقلنا، فبتنا بين المفخخات البشرية والإرهابية وبين الرعب المجتمعي اليومي والدوري! فهل يجوز لنا الخوف بأكثر مما نحن عليه ومنه، بعد أن اكتشفنا منذ شهور مضت إن هناك شيطانا جديدا للموت يجوب عالمنا دون أن نستطيع القضاء عليه كجزء من سلالة الموت والشيطان المتلون، فنحن يلاحقنا هلع مستمر، نقصان المواد الغذائية، ارتفاع الأسعار، البطالة والجريمة، نقص الماء زيادة الأمية والأمراض، ارتفاع منسوب الفساد، تخبطنا المستمر في نمط الحياة المنشودة وخياراتنا العظمى. هل بعد هذه الحالة من سلسلة الهلع المتنوع من حولنا علينا أن نركن للاستسلام واللامبالاة أو نخوض مجددا في صحراء الفجيعة والرعب والخوف المدمر؟ يموت ثلاثة أشخاص في البحرين من أنفلونزا الخنازير فندخل في دائرة الشك والحيرة والأسئلة! وعدنا للاضطراب مرة أخرى كمؤسسات ومجتمع صغير وطيب لم يتعلم معنى الهزات الحياتية وكيف يتحول المجتمع المدني إلى فرقة إسعاف منظم؟ شخصيا لا اعرف كيف اربط قطعة القماش على يدي ولا أجيد أية مسألة بإمكانها تنفع الناس عند الكوارث اللهم حمل سطل الماء عند الحريق وهو اضعف الإيمان لجيلنا. فلماذا لا يتعلم الجيل الجديد إعلاميا معنى المساهمة الجماعية في مواجهة الهلع الاجتماعي لكل ظاهرة مربكة للمجتمع؟ لماذا لم نلتفت بنفس الحماسة لكيفية إيقاف نزيف الدم اليومي لحوادث المرور التي سنويا تفوق عدد موتى أنفلونزا الخنازير، فالمرض اللعين والمتهم يعيش بيننا ولم نضعه في قفص “الاهتمام أو الاتهام”! لكي تفهم الأجيال الجديدة أن تعلم السياقة أسهل بكثير من صعوبة السيطرة على الحياة، فذلك المقود الكوني / الحياة يحتاج لبصر وبصيرة، فالإحصائيات المقدمة من إدارة المرور عددها أكثر من عدد خسارتنا الإنسانية الأخيرة من مرضى الأنفلونزا وغيرها من الأمراض، هذا عدا تقارير عن أعداد الموتى والجرحى والمتضررين أو عدد المصابين “المدمرين والمدمورين!” بسبب تعاطي المخدرات. كلها مصائب تلاحق أطفالنا وشبابنا قبل هجمة أنفلونزا الخنازير وبزمن طويل وطويل جدا. لا بأس أن نهتم بكل ظاهرة مثيرة للقلق في مجتمعنا ونتضامن مجتمعيا من اجل معالجتها ومكافحتها، ولكن شريطة توافر روح المسؤولية والإرادة السياسية والجمعية ووجود مؤسسات وخطط بعيدة المدى وليست آنية كحريق “البرستيه في الزمن الغابر “المكتفي” بموتور الحريجه الخالي صهريجه من الماء أحيانا! “أطفالنا هم ثروتنا الوطنية” وتحت هذا الشعار لابد وان نعيد تنظيم الطريقة الصحية في المدارس وكافة التجمعات الممكنة لانتقال المرض، وتعليم الناس معنى هذا الزائر الجديد في حياتنا والمنتظر أن ينضم له زوار آخرون بعد حين. حتى الآن لم نشف من رعب السرطان القاتل ولا رعب أمراض مميتة فهل نترك أنفلونزا الخنازير تنتصر علينا ونحن شعب لم يتجاوز المليون، فيما راحت الصين بعدد سكانها المليار وربع المليار تطارد خصمها الجديد من مكان إلى آخر. وإذا ما قسنا خسارة الموت – كرقم بشري – بيننا وبين الصين فان خسارتنا اكبر فيما لو نظرنا للحالة حسب نسبة السكان. قليل من المسؤولية في مراجعة حياتنا ونمطها بعد الثروة النفطية الناضبة، فالوعي بحياتنا ومستقبلنا أهم بكثير من مظاهر زائفة لا قيمة لها على الإطلاق. حماية قطرة ماء في أعماق الأرض يعني حماية بيئتنا من الموت. فهل كابوس أنفلونزا الخنازير وحده ما ينبغي ملاحقته أم أن هناك أنماطاً أخرى من الهلع الاجتماعي لابد من أن نطعم أنفسنا عنها بكل حذر؟! فلا اعرف إن كان هناك لدينا مصل عاجل “للطائفية الخطيرة” التي علينا الانتباه لها جيدا.
صحيفة الايام
15 سبتمبر 2009