المنشور

شرخ في برواز الصورة

ثلاثة أشهر بالتمام والكمال مضت على انفجار اخطر ازمة سياسية في تاريخ الجمهورية الاسلامية الايرانية على اثر المظاهرات الصاخبة التي اندلعت بُعيد انتخابات 12 يونيو الماضي الرئاسية احتجاجاً على تزويرها لصالح الرئيس المقرب من مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي الذي صدق على صحة انتخابه لولاية ثانية.. ثلاثة أشهر مضت ولا يلوح في الأفق حتى الآن ما يشير الى ان الازمة في طريقها الى الزوال كأزمة عابرة، بل كل الدلائل تشير وتؤكد ان هذه الازمة تسير حثيثاً نحو التفاقم والتعقيد والاستعصاء على الحل بين اطرافها.
هذه الازمة – كما هو معلوم – ليست بين نظام ومعارضة غير شرعية خارج النظام، بل هي بين طرفين في السلطة السياسية أو على الادق داخل الطبقة الدينية الحاكمة، هي بين ما يعرف بـ “الجناح الاصلاحي” و”الجناح المحافظ” المتشدد المهيمن بقيادة المرشد على مفاصل النظام الاساسية وهذه الأزمة تدور رحاها وفق قواعد اللعبة السياسية المشروعة التي أقرها وفصلها النظام نفسه على مقاسه عند تأسيس الجمهورية بقيادة المرحوم الخميني، بصرف النظر عن كون المعارضة الاصلاحية التي تمارس حقها في المعارضة وفق قواعد اللعبة الديمقراطية الدينية التي ارساها النظام لها امتداداتها وتقاطعاتها مع أطياف من قوى المعارضة خارج النظام ممثلة لقوى اجتماعية وقومية ودينية ومذهبية متعددة تحاول بدورها ان تستفيد من الخلف من الازمة والالتقاء، فيما يمكن الالتقاء به، مع المعارضة الشرعية الاصلاحية داخل النظام حول المشتركات الآنية لفتح ثغرة في جدار انسداد افق التغيير والاصلاح وتعقده في ظل حكومة المحافظين الحالية برئاسة الرئيس محمود احمدي نجاد.
في الدول الغربية الديمقراطية العريقة التي تمر بأزمات سياسية عاصفة فانها سرعان ما تدار وتحل وفق قواعد اللعبة الديمقراطية ذات التقاليد العريقة المديدة المترسخة وذات القبول السياسي والشعبي من مختلف القوى والاطياف السياسية والاجتماعية المعارضة داخل النظام وخارجه، لكن في الدول التي تعرف بأنظمتها الشمولية، أيا يكن مشروعها السياسي والفكري، دينيا ام ماركسيا، أم قبليا، وأياً يكن الهامش الديمقراطي الذي توفره بموجب قواعد اللعبة التي أرستها، فإن هذه الدول ليس أمامها حينما تتعقد وتنفجر ازماتها السياسية العاصفة ويتعذر عليها حلها وفق تلك القواعد المرسومة سوى حل الازمة من خلال الخروج على قواعد اللعبة والتركيع والقاء مشجب اندلاعها على الخارج وليس سواه.. فكلما اشتدت الازمة اشتد القمع والاستبداد وتكميم الافواه وضاق النظام ذرعا في هذه الاجواء المحتقنة حتى بالرأي الآخر المعتدل الخجول.. هذا بالضبط ما حصل في ظل أنظمة عديدة بالمنطقة، وهذا هو بالضبط ما حصل ويحصل الآن في ظل الجمهورية الاسلامية غداة عيدها الثلاثيني الاخير. ولا يختلف اثنان عاقلان في السياسة ان هذا الطريق هو أقصر الطرق، وان طال، لنهاية أي نظام يلجأ إليه، لانه يعني ببساطة اشهار افلاسه محليا وعالميا.
وعلى الرغم من كل العواصف والزوابع التي عرفتها ايران منذ ثورة 1979م ظلت صورة الجمهورية الاسلامية طوال هذه الفترة، والى حد ما إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية الاخيرة، تتمتع بشيء من المهابة والتماسك في انظار ليس فقط عشاقها ومؤيديها وفي عدادهم الناظرون إليها بإعجاب والمتخذون منها موقفاً اقرب الى الحياد والتحفظ، بل في انظار حتى أعدائها الذين ظلوا يحسبون لقوتها ومكانتها وقوة منطق خطابها السياسي الديني، بغض النظر عما يعتريه من تناقضات أو تضاد مع أسس الفكر الديمقراطي الحديث ومع منطق حقوق الانسان العالمي والمعاصر. لكن هذه الصورة التي ظلت أشبه بالايقونة المقدسة في نظر الملايين من عشاقها، في الداخل كما في الخارج، تكاد تهتز بعدما لحق بها خدش او شرخ بات من الصعب اخفاؤه او المكابرة بعدم وجوده، وهو شرخ يتسع يوماً بعد يوم مع ازدياد القمع والبطش بمن كانوا بالأمس أقرب المقربين الى رؤوس النظام.
اهتزاز الصورة – الايقونة بدأ بتزوير الانتخابات، بغض النظر عن الدفع بمحدوديته، وحاول النظام انكار التزوير ثم اعترف بوجود حالات منه، لكنه لم يتخذ أي اجراءات تأديبية رادعة بحق المزورين تحفظ حقوق المعارضة كما تحفظ سمعة النظام نفسه ومصداقيته كحكم نزيه في حلبة اللعبة الديمقراطية التي فصلها مقدماً على مقاسه، ثم اتسع صدع زجاج برواز الصورة – الايقونة بانفجار ام الكبائر والفضائح في أي نظام، فما بالك اذا ما جاءت في ظل نظام ليس دينيا فحسب، بل دينيا متشددا متزمتا، ألا هي فضيحة التعذيب والاغتصاب داخل السجون بحق المعتقلين التي اعقبت فضيحة تصفية متظاهرين في مسيرات سلمية بالرصاص، ناهيك عن ابادة اعداد منهم في السجون بأشكال مختلفة؟
ومثلما كابر النظام بعدم وجود أي تزوير، ثم عاد واعترف بوجود حالات محدودة منه، ها هو في فضيحة التعذيب يكابر بالادعاء بطهارة ونظافة سجونه من هذا العار، لانها سجون الجمهورية “الاسلامية” لا سجون الطاغوت المقبور، ثم يعود ويعترف بوجود حالات من التعذيب ثم يعود كرة اخرى لينفي، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة تعبر عن الحيرة والتخبط الفاضح في كيفية الخروج من الازمة وستر فضائحها المتواصلة فيما شرخ برواز الصورة – الايقونة يتسع ويهتز ويتعمق مؤذناً بتغير خطوطها وظلالها وألوانها المقدسة في أعين العشاق الذين جبلوا على مشاهدتها قريري الأعين على امتداد ثلاثة عقود.

صحيفة اخبار الخليج
14 سبتمبر 2009