على عكس التوقعات التي كانت ترى ان هناك انفراجاً سوف يحدث في قضية الطالبة نور، فقد جاء بيان جامعة البحرين ليقول ان الحكمة هي السمة المشتركة لكل مؤسسات الدولة، وجامعة البحرين واحدة منها، وان هذه المؤسسات لا تقصر ولا تخطئ وبالتالي فهي لا تتراجع ولا تعتذر، بل ان الآخرين جمعياً، صحافة وطلبة ومؤسسات المجتمع الأهلي الذين يخطئون والذين يجب ان يتحملون مسؤولية أخطائهم.
وليقول لنا بعد ذلك ان هذه القضية ليست فردية ولا تتعلق بطالبة واحدة أو جميع طلاب وطالبات الجامعة والتعليم الثانوي والعالي، ولا حتى بوزارة التربية والتعليم وما تضم من إدارات وهيئات ومدارس، وإنما الموضوع اكبر من كل ذلك بكثير، انه يتعلق بحال الديمقراطية، أو بالأحرى بأزمة الديمقراطية في هذا البلد…
فبيان الجامعة يعترف في بدايته ان انتقاد وإدانة الإجراء العقابي الذي اتخذته ضد الطالبة كان جماعياً، ومع ذلك فالجامعة تمسكت به وثبتته من كافة الإدارات المعنية بها بما فيها رئاسة الجامعة وربما مجلس الأمناء والوزارة، وهو بعد ذلك يرجع سبب اتخاذ هذا العقاب القاسي إلى ان البيان أو المنشور أو الأوراق التي وزعتها نور هي بيان سياسي صادر من جمعية الشبيبة، وبالتالي فان الطالبة تدخلت في السياسة، وان تدخلها هذا “مخالف لقوانين الجامعة التي تنص على عدم شغل الطالب لأي منصب إداري في جمعية سياسية خارج الجامعة وعدم إدخال الشعارات والتوجهات السياسية خارج الجامعة إلى داخل أسوار الجامعة”.
والأدهى من ذلك ان إدارة الجامعة تعتقد ان النقد الذي تضمنه البيان الذي وزعته نور “يتضمن ألفاظا غير لائقة” وانه “يؤدي إلى تأجيج للصف الطلابي ضد إدارة الجامعة، وهذا ما لا تسمح به لا إدارة جامعة ولا إدارة اي مؤسسة أخرى”.
خلاصة هذه العبارات وغيرها التي وردت في بيان الجامعة هي أنها تفكر بعقلية متخلفة ومتزمتة وخارج العصر الذي تعيشه البحرين وهو عصر الإصلاح الديمقراطي الذي يدعم ويحترم ويصون حرية التعبير باعتبارها حقًّا من حقوق الإنسان والركن الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية، وعندما تمنع أو تحرم الجامعة الطلبة من حرية التعبير عن آرائهم السياسية والاجتماعية والوطنية والتعليمية وغيرها فإنها بذلك تقف ضد سياسة الدولة في اعتماد النظام الديمقراطي، وتشجيع نشر الديمقراطية في كل ربوع الوطن، ودعم ممارستها في كل بيت وصرح علمي وتعليمي، وفي أماكن العمل والشارع والأندية والجمعيات. فالديمقراطية هي مجموعة مبادئ حياتية لا تتجزأ ولا يتم انتقاء الأماكن التي يسمح بممارستها فيها وتلك التي تمنع من دخولها، وحرية التعبير كدعامة أساسية من دعائم الديمقراطية هي تعني أيضا النقد والتخطئة والاعتراض والمطالبة بالإصلاح والتغيير، وبما أنها تسمح وتحترم الراي الآخر فمن حق إدارة الجامعة ان تصدر بياناً مضاداً لبيان الطالبة نور تفند ما ورد فيه من انتقادات، وتناقش ما تضمنه من مطالبات، وتبين ملحوظاتها على ما تعتقد انه عبارات غير لائقة أو تحريضية ضد إدارة الجامعة، ما قامت به الجامعة من ردة فعل عقابي وقاس على مبدأ إصدار بيان الطالبة وما جاء فيه، فهو دليل على ان الديمقراطية لم تدخل جامعة البحرين حتى اليوم رغم مرور حوالي عشر سنوات على المشروع الإصلاحي الديمقراطي، وان هذا الجامعة مازالت تعيش في زمن التسعينات من القرن الماضي عندما كان طلبتها وأساتذتها وموظفوها الذين يعبرون عن آرائهم التعليمية والسياسية يعتقلون ويفصلون من الجامعة، اعتماداً على هذه “اللوائح” التي تعتبرها إدارة الجامعة “قوانين” وأنظمة جهلاً منها بماهية القانون والفرق بينه وبين اللائحة.
وبالتالي فالقضية التي نحن بصددها قد جاءت لتفتح العيون من جديد على ان الإصلاح الديمقراطي لم يدخل بعد مؤسسات الدولة، ولم تعرفه عقول المسؤولين بصفة عامة، فمؤسسات التعليم غير ديمقراطية، ومؤسسات الإعلام لا تمارس الديمقراطية ولا تسمح بالنقد، ووزارات كثيرة مازالت تغضب من الاختلاف معها وتحارب الراي الاخر وتقمعه بأي شكل من الأشكال، أو تعمل على شرائه واستمالته حتى يكثر من الحديث عن “الايجابيات” ويتوقف عن التعرض للسلبيات. وانه إذا لم تصدر مبادرة أو أكثر تعمل على تصحيح الوضع الحالي، نشر الديمقراطية وفرضها في مؤسسات الدولة وفي عقول المسؤولين وفي القوانين السائدة، فان على شعب البحرين ان يتعامل مع قضية الطالبة نور على أنها أزمة ديمقراطية وقبل ان تكون ازمة جامعة، وان الإصلاح الديمقراطي الذي بشرنا به لم يلامس إلا القشور…
صحيفة البلاد
13 سبتمبر 2009