المنشور

جودة التعليم على المحك!

يبدو أن التوجه الرسمي نحو تحقيق جودة التعليم قد تسارعت خطاه خلال الفترة القليلة الماضية، فبعد أن كانت السياسات التعليمية طيلة العقود الثلاثة الماضية، في مجملها تعتمد لغة شعاراتية خالصة، يبدو أننا أخيرا أصبحنا نتجه ناحية تفعيل الكثير من القرارات التي ظلت مجمدة لفترات طويلة نتيجة لغياب الرؤية الشاملة وعدم وضوح الأهداف، أما وقد أصبحت لدينا الآن رؤية اقتصادية تنموية تمتد حتى العام 2030 ، فان الأمر لابد له أن يختلف، وتلك إيجابية يجدر تشجيعها والتأكيد عليها، شريطة أن تكون تلك الرؤية والأهداف واضحة وتتكامل مع توجهات التنمية الشاملة التي لا يمكن عزل مكوناتها عن بعضها كما كان يحدث في السابق، والأمر الآخر هو أن رؤية البحرين الاقتصادية هذه، والتي تعتمد في جزء رئيس منها على جودة التعليم ومخرجاته، لا يجب أن تطولها عوامل التعرية أو حتى تعارض المصالح وتداخلها، كما حدث لمشروع آخر مهم كمشروع تنظيم سوق العمل، الذي تتباين حوله رؤى متعددة سلبا وإيجابا شأنه شأن أي مشروع آخر، لكنها أفصحت عن إعاقات حقيقة له منذ البدء، ولذلك مسببات لا يمكن إغفالها على أية حال، خاصة عندما تتشابه ردّات فعل المعنيين في المشروعين. جودة التعليم باتت أمرا مطلوبا بشدة سواء في ظل وجود رؤية اقتصادية أم في عدم وجودها، وذلك بسبب ما افرزه الواقع من عيوب وتراجعات في هذا الجانب، بدأت بواكير ملامحها منذ أن تبنت الدولة ومنذ نهاية السبعينات مشروع العشرة الآف متدرب الذي انتهى كما انتهى غيره دون إبداء الأسباب، وكذلك مشروع مثل تطوير التعليم الصناعي الذي كم سمعنا عنه الكثير دون أن نلمس وجوده على أرض الواقع، ودون أن تساءل الميزانيات التي رصدت للمشروعين، ويبدو واضحا أن احد أهم الأسباب هو عدم الجدية الدولة حينذاك في التعاطي مع أمر التعليم العام والتعليم الجامعي فيما بعد، مما فرخ أجيالا من أنصاف المتعلمين غير القادرين على مسايرة عملية التنمية التي شهدت قفزات نوعية فضحت جودة السياسات القائمة وعرت عيوبها. لم نستغرب أبدا ردود الأفعال التي انتابت بعض القائمين على بعض جامعاتنا ومدارسنا الخاصة التي نشأت وتوالدت في العقد الأخير كالفطر، دون مبرر مفهوم سوى الفراغ الذي أوجده غياب الرؤية التعليمية الواضحة، ومحاولة الاستفادة مما وفرته الدعوات المسلوقة للاستثمار في التعليم من فرص مواتية لبعض من يمتلكون رؤوس الأموال، وليس بالضرورة القدرة والطموح على تطوير جودة التعليم، للدخول في هذا المجال للاستفادة مما تدره من عوائد استثمارية مجزية، مستغلين النقص الحاد في قنوات التعليم العالي في البحرين التي لديها جامعة وحيدة أنشئت لتتسع لثلاثة الآف طالب لكنها أصبحت مجبرة على استيعاب ما يربو على العشرين ألفا! علاوة على ما وفرته الظروف المواتية القادمة من دول الجوار من فرص واعدة للاستثمار المرتجل في التعليم الجامعي تحديدا. وتأسيسا على هذا الفهم ندرك أيضا كنه الاعتراضات التي تابعناها عبر وسائل الإعلام من قبل غالبية المستثمرين في المجال التعليمي، والذين يبدو أن قرارات مجلس التعليم العالي الأخيرة قد داهمتهم دون مجرد الاستعداد للتعاطي الايجابي معها وهم الذين اعتادوا العمل وتحقيق الأرباح دون حسيب أو رقيب بحسب ما كشفته التقارير الصادرة من نواقص لا يمكن القبول باستمراريتها. نشد على أيدي المسؤولين عن جودة التعليم رغم أنهم غابوا طويلا عن دائرة الفعل البناء، حتى جاءت رؤية البحرين الاقتصادية لتزيل غبار سنوات من الإهمال والعبث، ولا مجال هنا للعواطف طالما قبلنا بضرورات وأهمية التغيير نحو الأفضل، ونثق أن أمام البحرين فرصا تبقى واعدة كي تعود مجددا مركز استقطاب حقيقي للاستثمار في التعليم العالي والجامعي، شريطة الاستمرار في تحقيق شروط المساءلة وعدم التراخي في القرارات .
 
صحيفة الايام
13 سبتمبر 2009