المنشور

عن الجامعة والطلاب:النظرة الأبوية

ارتبطت الحركة الطالبية دائما، في العالم قاطبة، بالحراك السياسي. فالجامعة هي الخزان البشري الهائل الذي تصب مياهه في بحر السياسة، قدر ما هي المقلع الذي تنطلق منه “احجار” البنيان الوطني في مختلف البلدان. فطلاب اليوم هم حكام الغد: رؤساء ووزراء ونوابا واداريين وقادة رأي.
واذا كان من غير المنطقي ان تكون السياسة هي “المقرر” الوحيد في ذهن الطلاب، وعلى حساب تحصيلهم الدراسي الجامعي، فمن غير المنطقي، بالتأكيد، ان يحال دون الطلاب والتطلعات السياسية.
ولعل مراجعة لكبريات القضايا والبحوث والانجازات والتطورات العالمية في القرن العشرين الماضي تكون كفيلة باظهار ان تلك كلها نشأت في الجامعة افكارا وطموحات واحلاما قبل ان تتبلور حقائق ملموسة كان لها اثرها الفعال في تغيير حركة التاريخ… ولا ضرورة للامثلة فهي في متناول الجميع.
فمن الجامعات انطلق ربيع باريس في العام 1968 وكان له تأثير خطير في تغيير وجه فرنسا. حتى ولو سبقت الاتهامات بان وكالة المخابرات الاميركية كانت المحرك الخفي لتلك التطورات بالغة الاهمية، نكاية بالكبير الكبير الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول.
ومن الجامعة اللبنانية (الوطنية الرسمية) انطلق في العام 1970 “ربيع” آخر… وانبثقت منه “حركة الوعي” التي صار قادتها رجالات النخبة السياسية والثقافية والاجتماعية.
ولن يغيب عن الاذهان مشهد وزير التربية “انذاك” غسان تويني وهو يحاور الطلاب داخل الجامعة، فيفترش واياهم الثرى، ويجلس معهم على ادراج الباحات الخارجية، فيستمع اليهم ويسمتعون اليه ويناقشهم، ويوسع صدره لـ”زلات” السنتهم احيانا، فيتقبل ذلك برحابة وترحاب، وينقل مطالبهم الى مجلس الوزراء… ولم يكتف بهذا، بل يختار من بينهم كوكبة من الاكثر جرأة والاشد “وقاحة”، اذا صح التعبير، ويوظفهم في “النهار”.
هذان مثلان من غرب وشرق عن التعاطي مع الطلاب… ولو شئنا ان نعدد لاعطينا عشرات النماذج. والا انه لا يفوتنا ان نذكر ان الرئيس الاميركي باراك اوباما خصص يوم اول من امس الاربعاء، حيزا ثمينا من وقته للقاء الطلاب والتحاور معهم في الموضوعات التي تعنيهم، وما يعني الطلاب ويستأثر باهتمامهم يعني، بالضرورة الواجبة، الامة برمتها. ولعل الموضوع الابرز في حوار البيت الابيض كان “الطلاب والسياسية”.
نسوق هذه العجالة لمناسبة ما يشهده المجتمع البحريني هذه الايام مما تعارفوا على تسميته بـ “ازمة الطالبة نور” ولا نبالغ اذا دعونا الى المرونة والتعامل مع الاجيال الصاعدة بروية وهدوء وتفهم وخصوصا بمحبة ابوية. ونحن نعرف، عن قرب، ان ثمة قيادة في البحرين ترى الى الشعب من منظار ابوي. والطلاب هم الشريحة الاولى بالحصول على هكذا نظرة.
 
صحيفة البلاد
12 سبتمبر 2009