المنشور

غياب صناعات المعلومات

تجثم البلاد في الصناعات القديمة وتطمح إلى صناعات جديدة غير ملوثة لا تحيلها إلى مساحة جغرافية ضيقة صغيرة خانقة، لكن الخطط غير واضحة، والتلقائية سائدة.
“قامت مملكة البحرين بتأسيس مجلس التنمية الاقتصادية عام 2000 بمرسوم أميري صدر في ابريل عام 2000، ويهدف المجلس إلى ضمان المشاركة الفعالة للقطاع الخاص في التنمية الاقتصادية عن طريق تشجيع الاستثمار في المجالات الاقتصادية الرئيسية من خلال توفير المعلومات للمستثمرين حول مختلف أوجه العمليات الاستثمارية وتسهيل إجراءات التسجيل ومساعدة المستثمرين والشركات على إنجاز إجراءات تأسيس المشروعات. ويتولى مسئولية الإشراف على استراتيجية التنمية الاقتصادية وخلق المناخ الملائم لاجتذاب الاستثمارات، وقد حقق المجلس انجازات مهمة، منها تحرير قطاع الاتصالات بالكامل، وإصدار قانون الخصخصة، وإبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة التي تتيح للصادرات البحرينية النفاذ للسوق الأمريكية من دون أي عوائق” (الخليج والاندماج في الاقتصاد العالمي).
إن الفقرة تحوي مجموعة من التناقضات، فالكلام عن الاشراف على الاستراتيجية الاقتصادية يعني أن كل خيوط الاقتصاد بين يدي مجلس التنمية، ومع ذلك فمهمته إشرافية، ولديه أموال ويساعد بها القطاع الخاص؟ “هل هي مساعدات للقطط السمان؟ فأي خطة هنا؟ ولماذا لا يساعد الصناع الصغار بدلاً من أصحاب الأموال الكبار الذين لا يحتاجون إلى ذلك وإذا خسروا فليتحملوا خسائرهم وتلاعبهم؟”.
هذا يجري بخلاف خطة الصين الشعبية بتنمية العائلات والجماعات الحرفية والصناعية الصغيرة وهو المفترض وهو الذي ينجز.
وتشير الفقرة السابقة كذلك إلى وجود التخطيط ولكن التخطيط غائب مع عدم وجود وزارة للتخطيط أو بروز جسم إداري مؤثر للتخطيط، ولو كان لدينا جهاز تخطيط ما كان يحدث يحدث الآن.
ولا يخفي المجلسُ طابع المنفعة للعلاقة مع الولايات المتحدة. وهذا جزء من سيطرة أسواق الولايات المتحدة على الأموال الخليجية ومنها الأموال البحرينية وكذلك لا يخفى الارتباط بالدولار، وهو ارتباط آلي، تغيب عنه المرونة، مما يجعل الحديث عن التخطيط والنظرة البعيدة المدى غير دقيق، فعالم اقتصاد الولايات المتحدة مضطرب وخاصة عملته. فنكون مرتبطين بسوق غير مخططة محليا وسوق تائهة دوليا.
وبهذا فان مجلس التنمية دوره حفزي للاقتصاد الخاص واجتناب العثرات فيه، لكنه لا يصل إلى مستوى خلق الاستراتيجية، وقد يفقد هذه الأهداف حين يضع أموالَ الدولة في أيدٍ ليست خبيرة.
وسنجد هذا التناقضَ يتسع في الحديث عن الاستراتيجية ومحدودية الخطوات على الأرض وتضاداتها المختلفة. نواصل الاقتطافَ من الموضوع المدحي السابق للمجلس:
“وفي مجال جذب الاستثمارات إلى البحرين، تم التركيز في ستة قطاعات مستهدفة تتيح فرصاً لنمو اقتصادي طويل الأمد في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق المزيد من فرص العمل، وهذه القطاعات هي الخدمات المالية، الصناعات التحويلية، السياحة، الخدمات التجارية، المساندة اللوجيستية، الصحة، التعليم والتدريب. وتستفيد هذه القطاعات من المزايا التنافسية في الاقتصاد البحريني، وتوفر فرصاً استثمارية كبيرة. وواضح أن الاتجاه العام لهذه السياسة يقوم على تنويع الاقتصاد البحريني، من خلال تشجيع الأنشطة الاقتصادية غير المرتبطة بالنفط”.
إن تنويع الاقتصاد هو مهم، ولكن من دون تخطيط ودراسة لا ينفع ذلك في شيء. فماذا تفيدنا كثرة المؤسسات المالية إذا لم تلعب مواردها دوراً في الاقتصاد المحلي وتوسيع أعداد الموظفين البحرينيين؟
وماذا تفيدنا السياحة وهي أشبه بعلب أجنبية مستوردة كليا من الخارج؟
وتزداد من جهة أخرى التدخلات في خدماتها، بدلاً من ايجاد تطور ودراسة لتجذرها بشكل اجتماعي سليم.
ونجد أن استمرار عصب الاقتصاد في الصناعات التحويلية خلال العقود السابقة كلها يثبت بطء التحول وعدم القدرة على إيجاد الإيقاعات الوطنية الاقتصادية المتناسقة للتنوع الذي لم يجئ.
لكنه قد يجيء من خلال الحلم أو الخيال:
“فيجرى تنويع الاقتصاد البحريني بعيداً عن الاعتماد على قطاع الصناعات الأولية التي تقوم على استهلاك الطاقة، علما بمحدودية مصادر الطاقة التي تحظى بها البحرين، كما أن الهدف هو تحقيق الصناعات التي أساسها المعرفة وتكنولوجيا المعلومات بدلاً من الصناعات المعتمدة على الطاقة”، السابق.
وبطبيعة الحال فإن كلمات مثل “تشجيع” لا علاقة لها بالوضع القائم، ولها علاقة بالأحلام والطموحات، ولاتزال القدرات العقلية والتعليمية وارتباط التعليم بالسوق وبالثورة التقنية هو في أدنى صلة، وتهيمن السوق الربحية المباشرة وسيطرة المؤسسات العامة والخاصة وما هو مباشر وآني وتلقائي ومن دون تخطيط.
فمتى فعلاً تتشكل خطط لتفجير قوى الثورة العلمية والتقنية ويتم التركيز في القدرات العقلية ويخف الاهتمام بالعمل العضلي والبيروقراطي، وتصبح البحرين قاعدة الثورة المعلوماتية في المنطقة وكوادرها؟ نقول ذلك حتى لا تتحول البلاد الصغيرة إلى كراج هائل مليء بالدخان.

صحيفة اخبار الخليج
12 سبتمبر 2009