المنشور

بلدي أم نيابي؟

طُلب مني مرة إبداء رأي صحافي في أمر النواب أو المرشحين الذين يزمعون تغيير دوائرهم الانتخابية التي يقطنون فيها أو يمثلونها إلى دوائر أخرى. من طَرح الأمر صاغه على شكل تهكمي: كيف تفسرون” تنقز” النواب والمرشحين من دائرة انتخابية إلى أخرى. وبعيداً عن الطموحات التي تداعب المرشحين المحتملين في أن يصبحوا نواباً، أو النواب الحاليين في أن يبقوا نواباً، مما يحملهم على البحث عن دوائر أخرى يجدون فيها فرصاً أفضل، فان الأمر يتصل بأحد أوجه الخلل الكبيرة في النظام الانتخابي المعمول به حالياً، والذي قلنا حوله الكثير، وأقمنا حوله ورش عمل وحلقات بحث وندوات، ولدينا رؤية متكاملة حول نظام انتخابي ديمقراطي بديل له. أذكر أن النائب في مجلس 1973 محسن مرهون نقل دائرة ترشيحه من رأس رمان إلى منطقة القضيبية والعدلية في آخر أيام الحملة الانتخابية، ومحسن مرهون ليس من أبناء رأس رمان ولا من أبناء الحورة والقضيبية، يومها لم يقل أحد أن محسن ليس من أبناء هاتين المنطقتين، ولم يمنعه القانون من أن يغير دائرة ترشيحه في آخر لحظة، ففي إطار تفاهم وطني سحب ترشيحه من الدائرة لصالح المرشح الوطني الآخر رسول الجشي، حيث كان للدائرة التي تقع فيها منطقة رأس رمان نائبان، هما المرحوم خالد الذوادي عضو كتلة الشعب ورسول الجشي عن كتلة الوسط المستقلة. ولسنا في حاجة للتذكيربما كتبناه هنا مرةً بأن محسن مرهون الشيعي فاز، يومها، في دائرة سنية بالكامل، محمولاً على أصوات ناخبي تلك المرحلة الذهبية الذين كانوا يصوتون للأفكار والبرامج لا للمذاهب والفتاوى مثلما فاز زميله السني خالد الذوادي في رأس رمان الشيعية. وعودة لموضوعنا فان نظامنا الانتخابي الحالي الذي قسم البحرين إلى أربعين دائرة صغيرة يمثلها نائب واحد قد ضيق الخناق على أي منافسة انتخابية جدية ذات طابع سياسي، وهو بإصرار المشرع الذي وضعه على أن يكون المرشح من أبناء الدائرة المعنية بالضرورة، حوّل نواب البرلمان إلى نواب بلديين، لا تختلف مهامهم وعلاقتهم مع ناخبيهم مع أبناء دائرتهم عن مهام النائب البلدي، فيما المفروض في عضو البرلمان أن يكون ممثلاً للشعب كله لا لأبناء الدائرة الصغيرة التي يمثلها، فالقوانين التي على النائب أن يشرعها لا تخص أبناء دائرته وإنما تتصل بكامل البنية التشريعية للوطن برمته لا حاضراً فقط وإنما مستقبلاً أيضاً، والنائب حين يتوجه لمساءلة وزير فلا يسائله لأنه تخلف عن رصف شارع أو مد خط كهربائي في دائرته، وإنما عن مجمل أداء الوزارة التي يقف الوزير على رأسها. نظام الدوائر الأربعين الصغيرة الراهن الذي يشترط في النائب أن يكون من أبناء الدائرة هو أحد أسباب ظاهرة نواب الخدمات والذين سيتكاثر عددهم مستقبلاً، وسينافسون أعضاء المجالس البلدية في مهامهم، فلا تعود تعرف الفروق بين مهام النائب البرلماني والنائب البلدي، وبالتالي يفتقد العمل النيابي أحد أهم وجوهه وشروطه في أن تكون دعاماته من نواب أكفاء، سياسياً وقانونياً ورقابياً، ليحل محلهم نواب يوزعون المكيفات وأكياس السكر والأرز ويدفعون فواتير الكهرباء والماء المتخلفة إذا قطعت الدولة الخدمة أو هددت بقطعها. والفرق كما نرى كبير وشاسع.
 
صحيفة الايام
10 سبتمبر 2009