المنشور

اختناق الدول الصغيرة في الخليج

يقول بعض علماء الاجتماع والسياسة في العالم ان أي دولة يكون عدد سكانها أقل من ثلاثين مليونا قد تختفي عن خريطة الأرض.
مصروفات الدول ومسئولياتها تتزايد بصورة هائلة، وتتعرض الدول الصغيرة لصعوباتٍ جمة متفاقمة، حتى الدول الكبرى الهائلة في عدد السكان ذات الموارد الأسطورية والمتسعة المساحة تواجه أزمات اقتصادية خانقة، فيما دولٌ أخرى في العالم الثالث أعدادها أكثر من ثلاثين وخمسين مليونا تتعرض خريطتها للاهتزاز والانقلابات السياسية والحروب.
فماذا نقول نحن الدول الصغيرة التي تكاد أن تظهر بالمرآة المكبرة على خريطة العالم؟
ومجلس التعاون لدينا الذي يقتربُ بصعوبةٍ شديدة من رقم ثلاثين مليون نسمة له سنوات طويلة مديدة مريرة في التقارب والتعاون كسلحفاةٍ تمشي الهوينى في سباقِ المارثون العالمي للجري.
إن الدولَ الصغيرة في الخليج العربي عاشتْ عقوداً تفتخر وتتباهى ببعضِ الدخول الكبيرة التي تزايدت لديها فجأة، وأحدثت دواراً في الرأس، وعفوية شديدة في البناء وإخراج الأموال وتشغيلها بما يحقق أقصى الأرباح في أقل مدة.
ودورة الرأس هذه أدت إلى الكثير من الضياع المالي والصرف على حروب الآخرين وصراعاتهم والتهام البعض للكثير من الثروات نجد قصصها التي تعود لألف ليلة وليلة في أمريكا وانجلترا وتايلند والفلبين وغيرها.
واستغلت الدولُ الغربية ذلك عبر الصلات السياسية التاريخية غير المتكافئة بين الجانبين، وجعلت النفط كأنه قد تفجر في أراضيها وليس في دول تبعد عنها قارات، فتوجهت دول الخليج إلى عفوية البناء الذي كان توسعاً شديداً في المساحة بحيث مرت العقود القليلة واكتشفت انها اختنقت في سواحلها الضيقة وملأت بلدانها بعمالاتٍ أجنبية محدودة القيمة التقنية والإبداعية، وبأشكال كثيرة ليست اقتصادية بل تطفلية وتسولية.
كثافة هائلة من التمدد وحصالات صغيرة مملوءة بالآنات الصغيرة واختناقات مرورية كثيفة، وأحياء عادت إلى زمن الكوليرا وغابات من النخيل تم سقي البحر بها، وألف إشارة مرور في كل شارع، والطرق صارت وقوفاً، فيما توجد الصحارى الشاسعة التي تكفي واحدة منها لجمع كل هذه الحشود المختنقة المتصارعة على ضلع خروف وعمود كهرباء وموقف مروري مثل الكبريت الأحمر.
ثم حدثت ابتكارات كبيرة لمواجهة هذه الظروف،
أن تجرى زراعة القمح في السودان لمصلحة الجزيرة العربية والبطاطس في ماليزيا والطماطم في الهند.
إن الدول الصغيرة على ضفاف الخليج هي التي تعاني هذا الانحصار المتفاقم الذي تواجهه بدوس المزروعات والأسماك، وبناء المنتجعات الباذخة للاهين والمتخصصين في حل الكلمات المتقاطعة وفوازير رمضان.
ورغم وجود مجلس التعاون الذي ينبغي أن يناقش مصير هذا الزحام الصعب على ضفاف الخليج ويحول قضايا العمالة والزراعة والصناعة والإنتاج المشترك إلى قضايا مصيرية يومية ومن خلال وجهات نظر جديدة وليس من خلال اقتصاديين متخرجين من زمن الخمسينيات من القرن الماضي.
وإذا كانت علوم هؤلاء الاختصاصيين والباحثين تسمح لهم بالأنظار فإن الأسماك هربت من الخليج ولجأت للبحر العربي بعد أن اختنقت من مياهه بكل الملوثات فيه وأضيفت الأسماك للكبريت الأحمر.
إن اختناق هذه الدول الصغيرة ليس فقط لمساحاتها بل كذلك لسياساتها الطموح غير الواقعية وغير القارئة لهذه المساحة ولإمكانياتها ومع غياب الخطط الاقتصادية والجغرافية والسكانية المتضافرة، ومع غياب التعاون والتمدد خارج هذا الشريط البحري الضيق.
لماذا لا تستطيع دول مجلس التعاون الاتفاق على النمو المشترك والمدن المشتركة وبناء سكك حديد مشتركة؟
وهذا الضغط شرق الجزيرة العربية، وشرق مجلس التعاون ينزل بقوة في النقطة الوسطى منه وهي البحرين، فتضيف لمحدودية الدخل فيها وقدوم العمال الأجانب بوفرة لا تتناسب مع اقتصادها وظروفها ومواصلاتها، صغر حجمها وعدم تناسب خريطتها البنائية التاريخية والاقتصادية، وهي ماضية في سبيلها لا تراجع ولا تعيد النظر.
فكان على الدولة الصغيرة الحجم، القليلة الدخل، الكثيرة الإدارات، أن تتحمل مستوى معيشة منطقة غنية ذات حياة مرفهة، استفادت هي من ضيق مساحتها البحرية خاصة، من دون أن تستفيد البحرين من ضخامة براريها الفارغة، فتعبت من جميع النواحي.

صحيفة اخبار الخليج
9 سبتمبر 2009