المنشور

حاجتنا لهيئة تخطيط

في المجلس الرمضاني الأخير لـ «الأيام» دار حديث عن مدى جدوى وجود هيئة للتخطيط في البلد، وهذا الحديث يذكرنا بالجدل الذي دار منذ شهور حين طرحت الفكرة في مجلس النواب، ولعلنا نتذكر أن الحكومة دخلت يومها في محاججات قانونية ودستورية لرفض المقترح النيابي بتشكيل هيئة للتخطيط. يومها قلنا إن هذه المحاججات لن تطال جوهر الموضوع، ولن تقنع أحداً، لا داخل المجلس النيابي ولا خارجه، بمدى جدية ما تقوله الحكومة. إن وجدت إشكالات ذات شبهة قانونية أو دستورية، كما تقول الحكومة، وهو قول لا يأخذه الكثيرون، سواء من النواب أو من سواهم، مأخذ الجد، فإنه بالإمكان حلها لتحقيق غاية أهم، هي أن تكون لنا في هذا البلد هيئة تخطيط مركزية، كما هو الحال في البلدان المتقدمة وحتى غير المتقدمة، التي تعمد في بعض الحالات إلى تشكيل وزارة مستقلة للتخطيط. بل أن الهروب إلى مثل هذا النوع من المحاججات ليس سوى مخرج يُراد به التهرب من استحقاق كبير على الحكومة أن توفي به، وهو حاجة البلد إلى مثل هذه الهيئة، للحد من مظاهر التخبط والعشوائية في أداء الأجهزة الحكومية التي يكاد كل واحد منها أن يعمل بمعزل عن بقية الأجهزة، لذلك نرانا أمام هذا الحشد الذي لا يُعد ولا يُحصى من أشكال التضارب بين أداء الإدارات الحكومية المعنية. نظرة طائر سريعة حولنا تُرينا أوجهاً كثيرة لغياب ما يمكن أن ندعوه بالانسجام والتكامل في أداء الوزارات المختلفة، وأحياناً في أداء الوزارة الواحدة، وهذا يبدأ من أبسط الأمور وأكثرها مباشرةً، ليبلغ القرارات والمسائل ذات الطابع الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال تُباع القسائم السكنية وتُشَّيد عليها البيوت الجديدة، وبعد ردحٍ من الزمن تبلط الشوارع في المنطقة المعنية، وما هي إلا فترة وجيزة وإذا بالمعاول تعيد حفر الشوارع التي أنفق عليها ما أنفق لإقامة المجاري، وهو أمر يستغرق شهوراً وربما أعوام، ثم يعاد سد الحفر كيفما اتفق، والنتيجة أننا نجد الشوارع حتى في المناطق السكنية، بما فيها الجديدة منها، مليئة بالحفر والأخاديد والمطبات. هذا مثل بسيط جدا، ويومي جداً، ومباشر جداً، عما يعنيه غياب التخطيط في البلاد، فما بالنا إذا جرى الحديث عن قضايا التنمية والتحديث الكبرى، والرؤى الاستشرافية للمستقبل، والاستعداد المبكر لاستحقاقاته وتقلباته، للدرجة التي تجعلنا نسأل: هل لدينا أكثر من سيناريو في هذا المجال، تبعاً للتوقعات المختلفة لمسار الأمور، فنعتمد السيناريو الأنسب تبعاً للطريقة التي تسير بها الأمور. الأجدى من هذا السجال الذي يُصور على أنه قانوني، هو أن تعترف السلطة التنفيذية بجدية الحاجة إلى جهاز معني بالتخطيط المركزي في البلد، وهو مطلب قطاعات وفعاليات واسعة في المجتمع، سواء كان هذا الجهاز هيئة أو وزارة أو مجلساً، فالعبرة في المضمون والصلاحيات لا في التسميات. أما التذرع في رفض هذا المقترح بالقول أن لدينا من الأجهزة الحكومية ما يكفي ويزيد، وان إنشاء جهاز للتخطيط سيعني إضافة كلفة مالية جديدة فمردود عليه، فالمطلوب التخلص من الكثير من الأجهزة غير الضرورية، وما أكثرها، وليس التذرع بوجودها لرفض هيئة نحن في أمس الحاجة إليها.
 
صحيفة الايام
8 سبتمبر 2009