المنشور

دول مجلس التعاون والطاقات المتجددة‮ »‬2‮-‬2‮«‬

مناقشاته على مدى‮ ‬يومين لتشخيص والتعرف على مصادر الطاقة المستقبلية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية‮. ‬
هل ستواصل مصادر الطاقة الهيدروكربونية‮ (‬النفط والغاز تحديداً‮) ‬دورها الانفرادي‮ ‬والقيادي‮ ‬في‮ ‬تأمين الطاقة في‮ ‬دول المجلس،‮ ‬وفي‮ ‬تأمين مصادر تمويل برامج وخطط التنمية،‮ ‬أو سيصار إلى إدخال مصادر طاقة جديدة مثل الطاقة النووية التي‮ ‬حظيت في‮ ‬الآونة الأخيرة باهتمام‮ ‬غير عادي‮ ‬من قبل الحكومات الخليجية،‮ ‬أم الطاقات المتجددة،‮ ‬لاسيما الطاقة الشمسية المتوفرة مقوماتها على مدار العام‮.‬
ومن بين الأوراق البحثيـة العلميـة التي‮ ‬عُرضت في‮ ‬المؤتمـر،‮ ‬ورقة قدمها العالم د‮. ‬فرانز تريب،‮ ‬ذهب فيها إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬وبسبب ما تتمتع به من مستوى سطوع عال للشمس،‮ ‬فإن بإمكانها الاستعانة بالتقنيات الحديثة لإنتاج عشرات آلاف الميغاوات من الطاقة الكهروشمسية،‮ ‬بما‮ ‬يفي‮ ‬بحاجتها من الطاقة ويفيض،‮ ‬ويمكنها بالتالي‮ ‬تصدير هذا الفائض إلى الدول الأوروبية التي‮ ‬لا تتمتع بسطوع شمسي‮ ‬عال ومنتظم وعالي‮ ‬الكلفة ترتيباً‮.‬
وأكد د‮. ‬تريب أن التقنيات الحديثة قادرة على توليد‮ ‬250‮ ‬ميغاوات من سطح لاقط بمساحة كيلومتر مربع،‮ ‬وأن الطاقة الشمسية لها خاصية أخرى،‮ ‬هي‮ ‬قابليتها للتخزين‮. ‬واعتبر أن الجدوى الاقتصادية في‮ ‬إنتاج الطاقة الكهروشمسية تتحقق بقيم المكافئ الحراري‮ ‬عند سعر‮ ‬60‮ ‬دولاراً‮ ‬لبرميل النفط‮.‬
وذكرنا في‮ ‬المقال السابق أن دول مجلس التعاون اتفقت في‮ ‬شهر ديسمبر‮ ‬2006‮ ‬على تطوير برنامج نووي‮ ‬سلمي‮ ‬مشترك،‮ ‬وأطلقت بعد ذلك محادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعداد دراسة حول جدوى إنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في‮ ‬دول المجلس‮. ‬إلا أن دول المجلس اندفعت بصورة انفرادية لإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية‮. ‬فالمملكة العربية السعودية التي‮ ‬شرعت منذ نحو عقدين في‮ ‬إجراء أبحاث حول استخدام المواد النووية في‮ ‬التطبيقات الطبية والصناعية والزراعية،‮ ‬هي‮ ‬الآن بصدد دراسة جدوى استخدام تكنولوجيا المفاعلات النووية في‮ ‬إنتاج الطاقة للأغراض السلمية‮. ‬بينما وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقاً‮ ‬مع فرنسا لإنشاء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية،‮ ‬مع استيراد اليورانيوم المخصب لتشغيل هذه المفاعلات‮.‬
والحال انه لا‮ ‬يمكن فصل هذا التحول الخليجي‮ ‬الصريح نحو الطاقات المتجددة عن التدافع العالمي‮ ‬على الطاقات المتجددة الذي‮ ‬ميز السنوات القليلة الماضية،‮ ‬والذي‮ ‬سرّع من وتيرته،‮ ‬تصدر قضايا التلوث البيئي،‮ ‬والتغير المناخي،‮ ‬والأزمة الاقتصادية العالمية،‮ ‬وأجندات الاهتمام الرئيسية العالمية‮. ‬فضلاً‮ ‬عن صراع المراكز الاقتصادية العالمية الرئيسية على الفوز بقصب السبق في‮ ‬قطاع الطاقات المتجددة وتكنولوجياتها،‮ ‬وهو الاتجاه الذي‮ ‬وجد صداه في‮ ‬خطاب الرئيس الأمريكي‮ ‬باراك أوباما قبل بضعة أشهر،‮ ‬والذي‮ ‬ذكر فيه بصورة لا لبث فيها‮ ‘‬إن الدولة التي‮ ‬يمكنها الاستفادة بشكل جيد من مصادر الطاقة المتجددة هي‮ ‬من سيقود العالم‮’.‬
ولكن الطريق ليس سالكاً‮ ‬بالنسبة لدول مجلس التعاون فيما‮ ‬يتعلق بالطاقات المتجددة،‮ ‬فبخلاف عدم تحبيذها للاتجاه العالمي‮ ‬لتعظيم دور ومساهمة الطاقات المتجددة في‮ ‬العالم،‮ ‬على حساب مصادر الطاقات التقليدية،‮ ‬وركونها لحقيقة أن النفط سيبقى المصدر الرئيس لتوليد الطاقة في‮ ‬العالم على مدى السنوات الخمسين القادمة على الأقل،‮ ‬فليس هنالك حتى الآن سياسة،‮ ‬كي‮ ‬لا نقول إستراتيجية،‮ ‬واضحة بالنسبة للطاقة المتجددة بما‮ ‬يشمل عدم وجود برامج وحوافز لاستقطاب الاستثمار الخاص لهذا القطاع الحيوي‮ ‬والواعد‮. ‬من دون أن ننسى الكلفة الرأسمالية العالية للطاقة المتجددة مقارنة بكلفة إنتاج الطاقة المتولدة من الوقود الاحفوري،‮ ‬حيث تُقدر تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية على سبيل المثال حوالي‮ ‬3‮ ‬آلاف دولار لكل كيلووات مقارنة بـ‮ ‬400‮ ‬دولار للتوربينات الغازية،‮ ‬فيما تبلغ‮ ‬تكلفة إنتاج الكيلووات الواحد من طاقة الرياح نحو‮ ‬1000‮ ‬دولار‮.‬
ولكن هذه المصاعب والكلفة النسبية العالية لتأسيس المشاريع الجديدة في‮ ‬الطاقات المتجددة‮ ‬يجب أن لا تحول دون التوغل الخليجي‮ ‬بعمق في‮ ‬هذا المسار التنموي‮ ‬وعدم الاكتفاء ببعض الخطوات الرمزية،‮ ‬التي‮ ‬إن بقيت هكذا محبوسة في‮ ‬إطارها الضيق،‮ ‬فإنها لن تسهم في‮ ‬تأسيس قطاع جديد للطاقة هو قطاع الطاقة المتجددة،‮ ‬ليشق طريقه إلى جانب بقية القطاعات الاقتصادية الحيوية.
 
صحيفة الوطن
6 سبتمبر 2009