مناقشاته على مدى يومين لتشخيص والتعرف على مصادر الطاقة المستقبلية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
هل ستواصل مصادر الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز تحديداً) دورها الانفرادي والقيادي في تأمين الطاقة في دول المجلس، وفي تأمين مصادر تمويل برامج وخطط التنمية، أو سيصار إلى إدخال مصادر طاقة جديدة مثل الطاقة النووية التي حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام غير عادي من قبل الحكومات الخليجية، أم الطاقات المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية المتوفرة مقوماتها على مدار العام.
ومن بين الأوراق البحثيـة العلميـة التي عُرضت في المؤتمـر، ورقة قدمها العالم د. فرانز تريب، ذهب فيها إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، وبسبب ما تتمتع به من مستوى سطوع عال للشمس، فإن بإمكانها الاستعانة بالتقنيات الحديثة لإنتاج عشرات آلاف الميغاوات من الطاقة الكهروشمسية، بما يفي بحاجتها من الطاقة ويفيض، ويمكنها بالتالي تصدير هذا الفائض إلى الدول الأوروبية التي لا تتمتع بسطوع شمسي عال ومنتظم وعالي الكلفة ترتيباً.
وأكد د. تريب أن التقنيات الحديثة قادرة على توليد 250 ميغاوات من سطح لاقط بمساحة كيلومتر مربع، وأن الطاقة الشمسية لها خاصية أخرى، هي قابليتها للتخزين. واعتبر أن الجدوى الاقتصادية في إنتاج الطاقة الكهروشمسية تتحقق بقيم المكافئ الحراري عند سعر 60 دولاراً لبرميل النفط.
وذكرنا في المقال السابق أن دول مجلس التعاون اتفقت في شهر ديسمبر 2006 على تطوير برنامج نووي سلمي مشترك، وأطلقت بعد ذلك محادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعداد دراسة حول جدوى إنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في دول المجلس. إلا أن دول المجلس اندفعت بصورة انفرادية لإنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية. فالمملكة العربية السعودية التي شرعت منذ نحو عقدين في إجراء أبحاث حول استخدام المواد النووية في التطبيقات الطبية والصناعية والزراعية، هي الآن بصدد دراسة جدوى استخدام تكنولوجيا المفاعلات النووية في إنتاج الطاقة للأغراض السلمية. بينما وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقاً مع فرنسا لإنشاء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، مع استيراد اليورانيوم المخصب لتشغيل هذه المفاعلات.
والحال انه لا يمكن فصل هذا التحول الخليجي الصريح نحو الطاقات المتجددة عن التدافع العالمي على الطاقات المتجددة الذي ميز السنوات القليلة الماضية، والذي سرّع من وتيرته، تصدر قضايا التلوث البيئي، والتغير المناخي، والأزمة الاقتصادية العالمية، وأجندات الاهتمام الرئيسية العالمية. فضلاً عن صراع المراكز الاقتصادية العالمية الرئيسية على الفوز بقصب السبق في قطاع الطاقات المتجددة وتكنولوجياتها، وهو الاتجاه الذي وجد صداه في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل بضعة أشهر، والذي ذكر فيه بصورة لا لبث فيها ‘إن الدولة التي يمكنها الاستفادة بشكل جيد من مصادر الطاقة المتجددة هي من سيقود العالم’.
ولكن الطريق ليس سالكاً بالنسبة لدول مجلس التعاون فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، فبخلاف عدم تحبيذها للاتجاه العالمي لتعظيم دور ومساهمة الطاقات المتجددة في العالم، على حساب مصادر الطاقات التقليدية، وركونها لحقيقة أن النفط سيبقى المصدر الرئيس لتوليد الطاقة في العالم على مدى السنوات الخمسين القادمة على الأقل، فليس هنالك حتى الآن سياسة، كي لا نقول إستراتيجية، واضحة بالنسبة للطاقة المتجددة بما يشمل عدم وجود برامج وحوافز لاستقطاب الاستثمار الخاص لهذا القطاع الحيوي والواعد. من دون أن ننسى الكلفة الرأسمالية العالية للطاقة المتجددة مقارنة بكلفة إنتاج الطاقة المتولدة من الوقود الاحفوري، حيث تُقدر تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية على سبيل المثال حوالي 3 آلاف دولار لكل كيلووات مقارنة بـ 400 دولار للتوربينات الغازية، فيما تبلغ تكلفة إنتاج الكيلووات الواحد من طاقة الرياح نحو 1000 دولار.
ولكن هذه المصاعب والكلفة النسبية العالية لتأسيس المشاريع الجديدة في الطاقات المتجددة يجب أن لا تحول دون التوغل الخليجي بعمق في هذا المسار التنموي وعدم الاكتفاء ببعض الخطوات الرمزية، التي إن بقيت هكذا محبوسة في إطارها الضيق، فإنها لن تسهم في تأسيس قطاع جديد للطاقة هو قطاع الطاقة المتجددة، ليشق طريقه إلى جانب بقية القطاعات الاقتصادية الحيوية.
صحيفة الوطن
6 سبتمبر 2009