المنشور

نحو تشكيل هيـئة وطنية للتخطيط

 


ثمة فئات وشرائح من المجتمع البحريني تعاني أمراضا مجتمعية شاذة وغير سوية تجردت من خلالها من مصداقية الضمير الإنساني اليقظ وتخلت عن حمل الأمانة الوظيفية والمجتمعية والإنسانية سوى بالأساليب الملتوية والمشبوهة.. وهم المتجاوزون والانتهازيون وسراق مقدرات الشعب والمتلاعبون بالمال العام مستغلين مناصبهم الإدارية ومراكزهم القيادية من اجل تحقيق أطماعهم الذاتية وغاياتهم الانتهازية والنفعية والاستئثار بالثراء الفاحش غير المشروع القائم على مظاهر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي والمعتمد على الصفقات المشبوهة والعمولات غير القانونية التي تجمع هؤلاء النفعيين والمتسلقين بقوة.. بحسب ما تلم شملهم تلك القواسم المشتركة من المصالح والمغانم الفئوية و”الشللية” والعائلية، ومظاهر الواسطة والمجاملة والمحسوبية والتربح السريع وتراكم المال غير المشروع.

وهكذا تظل عملية التحقيق والاستجواب التي قامت بها النيابة العامة مع ستة من المتهمين بمعهد التنمية السياسية وهم (المدير التنفيذي والقائم بأعمال مدير إدارة الشؤون القانونية، ومدير مكتب المدير التنفيذي، إضافة إلى ثلاث متهمات الرابعة والخامسة والسادسة) تمثل عين الصواب وإصابة كبد الحقيقة، بعد ما وجهت النيابة العامة إليهم تهم “الإضرار والاستيلاء على المال العام والتربح منه، والإضرار عمداً بأموال الدولة”، أضف الى ذلك فإن ثمة تهما أخرى وجهت إلى هؤلاء المتهمين وهي “(200) مستند عن العطاءات والتجاوزات بلغت (116) ألف دينار ومعاملات مع سجلات ومحال وهمية وغير موجودة”.

انه من الأهمية بمكان القول: انه أيا كانت الأمور في تمسك كل واحد من هؤلاء المتهمين بمعهد التنمية السياسية وإعلانه عدم مسئوليته ومحاولته تبرئة ساحته وسعي هذا المتهم الى إلقاء اللوم على زميله المتهم الآخر، وبالعكس ايضا فإن العبرة ستكون بالنتائج.. نتائج جهاز القضاء بحق هؤلاء هو الذي سيمثل الحكم القضائي الفاصل والحل النهائي العادل على كفتي ميزان العدالة.

ولعل الشيء بالشيء يذكر أن قضايا الاختلاسات والفساد والمحسوبيات التي حدثت تداعياتها وحقائقها في اوساط معهد التنمية السياسية، قد تذكر المواطنين والغيارى على المصلحة الوطنية العليا والمال العام، بما حدث سابقاً في أوساط العديد من الإدارات والمؤسسات والشركات في كلا القطاعين (العام والخاص) منها إدارة المرور، وشركة ألمنيوم البحرين (ألبا)، وجامعة البحرين، وشركة إصلاح السفن (اسري)، ومعهد البحرين للتدريب من اختلاسات وهدر المال العام وتفشي الرشا والمحسوبيات وعقد صفقات وعمولات مشبوهة، وتزوير وثائق وتواقيع استمارات وتجديد عقود لأجانب من ذوي البشرة الحمراء من دون علم وزارة العمل ومخالفات مالية وإدارية والاستيلاء على ملايين الدولارات عبر عملية النهب، ومن تحت الطاولات ووراء الكواليس.

لقد تفشت هذه الظواهر المرضية والممارسات المريضة كافة في أعماق أرضية هذه المؤسسة أو تلك والمعنية بهذا الشأن منذ أعوام خلت، مثلما ترجمت هذه الظواهر والممارسات بكل جلاء تلك العملية التراكمية المشينة للممارسات الانتهازية والنفعية والوصولية، برز أبطالها أولئك المفسدون في ظل غياب المحاسبة والمساءلة الذين أرادوا ومازالوا يسبحون في اتجاه معاكس لأنفاس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمصالح الوطنية، بقدر ما وضع هؤلاء أنفسهم فوق القانون بنفوذهم وسلطاتهم.. فأهدروا المال العام والطاقة الإنتاجية وعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأساءوا إلى سمعة مؤسساتهم في أوساط السوق والمجتمع، مثلما شوهوا سمعة الوطن بحضارته وسيادته وأساءوا إلى تاريخ الشعب بنضالاته وتضحياته.

من هذا المنطلق يبقى القول البالغ الأهمية: إن الحتمية التاريخية وما يتمخض عنها من عملية الإصلاحات العامة ومبدأ حقوق الإنسان والعدالة والمساواة من جهة والضرورة المجتمعية والشعبية وما يترتب عليها من فعاليات الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، قد تقتضيان أي (الحتمية التاريخية والضرورة المجتمعية) تشكيل هيئة للتخطيط مثلما أسلفنا الذكر بهذا الشأن في مقالات سابقة، من اجل تمكين جهاز الرقابة المالي والإداري من أداء مهماته ومسئولياته، على الوجه الأمثل، وفي دعم البرلمان المنتخب أيضا بشرط أن يكون على قدر من الكفاءة.. وذلك كله من اجل كشف مواطن الخلل ومواطن الأمراض والثغرات وإماطة اللثام عن مكامن أولئك المتجاوزين وملاحقة مَن تسول له نفسه من هؤلاء سراق المال العام وأولئك المتنفذين.. وإخضاعهم للمساءلة والمحاسبة وبالتالي مثولهم للمحاكمة.. عندئذ يتم تطهير المجتمع من أدرانهم، بقدر تطهير العديد بل الكثير من المؤسسات والوزارات من شتى مظاهر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي في إداراتها وأوساطها وأروقتها والقضاء على مظاهر البيروقراطية والواسطة والمحسوبية.. وبالتالي النهوض بالمجتمع ومؤسساته في ظل مناخ نظيف خال من النواقص والعلل والثغرات.. ومجرد من مختلف الأدران وشتى الأمراض الاجتماعية.

 
أخبار الخليج 4 سبتمبر 2009