المنشور

الأفراد الديمقراطيون المكوّن المهم للديمقراطية العربية وعلى الإسلام تحمّل دوره


أدار الأمين العام عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية  الدكتور حسن مدن ندوة نظمها المعهد حول ثقافة الديمقراطية وقدمها استاذ علم الاجتماع باقر النجار بمجلس النائب جلال فيروز.

وفي مداخلة للأمين العام  أشار في إلى أن “الحكومات تتحمّل المسؤولية الكبرى في عدم ترسيخ الديمقراطية، والأطروحات التي تنادي بأن الوضع المنطقة العربية لم ينضج بعد للديمقراطية قد أثبتت خطأها”.

وتابع: “أعتقد أن الثقافة الديمقراطية وثيقة الصلة بالممارسة الديمقراطية السياسية؛ لأنها تتشكل مع المجتمع، وهي الممارسة التي تصوغ هذه الثقافة السياسية والوعي السياسي بضرورة وجود هذه الديمقراطية”.

ولفت الأمين العام إلى أن “هناك فضاءً مستقلاً خاصًا بالمجتمع يجب أن يتشكل حسب أهواء المجتمع دون تدخل الدولة ودون أن تصادره أو أن تحتكره فئة، وعلى الجانب الآخر يجب أن يكون هناك احترام للنظم السياسية للدولة من قبل المجتمع”، مبينًا أن “ما يجب السعي إليه هو الوصول إلى نقطة لتوازن المصالح بين المجتمع والدولة، ويتم الوصول إليها عبر عدم تدخل الدولة في فضاء المجتمع، وعلى الأخير أن يحترم الدولة”.

وأكد الأمين العام أن “ذلك التوازن يفرض على الدولة بناءً عليه ألا تضيق بممارسات المجتمع الديمقراطية أو أن تصنفها لمجرد معارضتها على انها أدوات تعطيل أو تجاوزات. فإلى جانب التطوير السياسي والديمقراطي الذي يسير فيه المجتمع يجب أن تواكبه الدولة وتطور من أداوتها وتعاطيها مع المجتمع، كل ذلك يصب في تطور العملية السياسية”. 


 

 

الأفراد الديمقراطيون المكوّن المهم للديمقراطية العربية وعلى الإسلام تحمّل دوره

 

أكد أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين باقر النجار أن “عملية التأسيس للديمقراطية العربية يجب ألا تكون في معزل عن الأفراد الديمقراطيين”. ولفت النجار في ندوة استضافها مجلس النائب جلال فيروز ونظمها معهد البحرين للتنمية السياسية أول أمس (السبت) إلى أن “مؤسستي الأسرة والتعليم هما أهم مؤسستين في التنشئة السياسية ولهما أدوات غير عادية في تفعيل الديمقراطية”، واستدرك “غير أن هاتين المؤسستين لا تعملان في فضاء مستقل بل إنهما تعملان في فضاء سياسي ومجتمعي وثقافي من شأنه أن يعطل التحول للديمقراطية”.

وبيّن أن “الحديث عن التلكؤ الديمقراطي في المنطقة العربية أرجعه الباحثون إلى عدة أسباب منها عوامل خارجية ، وعلى النقيض فقد رماها البعض على عوامل داخلية متمثلة في الدولة العربية واحتكارها القرار، على حين رماها البعض على القوى السياسية المختلفة وتحديدًا قوى الإسلام السياسي التي وصفت بأنها لا تؤسس لثقافة سياسية أو ديمقراطية”،

وتابع: “لذا يتم الحديث أن عملية التأسيس للديمقراطية يجب ألا تكون في معزل عن الأفراد الديمقراطيين الذين بدورهم يجب أن يكونوا في مفاصل المجتمع”.

وأكد أستاذ علم الاجتماع أن “الثقافة الديمقراطية لا تولد عند الناس ولا تورث بل يتعلمها الأفراد ويتدربون عليها عن طريق آليات وأطر ويأتي في مقدمتها الأسرة والتعليم والنظام الإعلامي والنظام السياسي والطريقة التي يحل بها الأفراد والمجتمع مشكلاتهم”.

جودة التعليم ركيزة مهمة للديمقراطية

على صعيد متصل، أوضح النجار أن “الثقافة هي جانب معنوي وكباحثين وعلماء في حقل العلوم الاجتماعية نشير إليها على انها الجزء غير المادي من المجتمع، وقد يختلف الكثير على آليات تشكل الثقافة إلا انهم لا يختلفون في أن الثقافة هي نتاج المجتمع وانعكاس له”.
ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى أن “الثقافة تتشكل عموماً من جوانب سياسية أو دينية، أو قد تكون امتداداً لتاريخ معين أو قد تكون انعكاسًا لوضع اقتصادي أو حالة اجتماعية”، وأضاف أن “ لثقافة هي نتاج المجتمع فكل فرد هو مثقف حسب موقعه في المجتمع، وقد تأطرت الثقافة في جوانب مختلفة كالسياسة أو الجوانب الاجتماعية وغيرها”، مشيراً إلى أن “كثيرًا من الباحثين عند الحديث عن الديمقراطية يتحدثون عنها على أساس ممارسة، وهي فعلاً كذلك”.

كما أوضح النجار أن “لفهم أي مجتمع يجب أن تفكك ثقافته السياسية وينسحب ذلك لفهم أي تجمع سياسي وتعتبر ثقافة المجتمع السياسية إطارًا يحدد الكثير من القضايا السياسية”، واستدرك “إلا أن هذه الثقافة السياسية ليست كما هي الثقافة العامة داخل المجتمع الذي يمثل ثقافته الخاصة عبر الدين الذي يعتبر ركنًا أساسيًا في تشكيل السياسة في غالبية النظم العربية”، موضحًا “ففي مرحلة تاريخية ماضية لم يكن واضحاً دور الدين في السياسة ولكن خلال العقد الماضي برز الدين في تشكيل السياسة في اطر جماعات معينة”.
وقال أستاذ علم الاجتماع إن “الأطر التي تشكل الثقافة السياسية هي النظام السياسي، والأحزاب السياسية، والإعلام، والنظام التعليمي”، مشيراً إلى أن “النظام التعليمي هو من أهم آليات تأطير الثقافة السياسية وهو عنصر مهم وعامل أساسي في تشكل الناس ليس معرفيًا فقط بل بناء الناس اجتماعيًا وسياسياً كذلك”.

وأضاف: “نلاحظ ذلك في صراع القوى السياسية في العالم العربي للقبض على النظام التعليمي رغبة منها في تشكيل المنضوين تحت أجنحة تلك القوى السياسية عبر توجيه تشكليها السياسي في إطار معين”.

الخطاب الديني السياسي أبرز معوّقات الديمقراطية

إلى ذلك، أوضح النجار أن “أبرز التحديات التي تواجه أي تحول ديمقراطي في أي مجتمع بحسب الباحثين والكتّاب هي طبيعة الدولة العربية التي استطاعت أن تعود نفسها على تشكيل دولة قابضة على مفاصلها”، وبيّن أن “النظام السياسي للدولة يتحمل النصيب الأكبر من النقد بشأن التلكؤ في التحول الديمقراطي، دون إغفال للنظام المجتمعي الذي يتحمل جزءًا من هذا التلكؤ بسبب نزوع كثير من الجماعات للدمقرطة التي تتخذها وسيلة لمحاولة الوصول إلى مقاعد صناعة القرار ومن ثم احتكارها، مع الإشارة إلى أن طبيعة هذه القوى السياسية وطبيعة تشكيلاتها ليست ديمقراطية، وبذلك تعيد تلك الجماعات نفسها بناءً على الثقافة الأبوية على رغم نقدها ممارسات الدولة”.
ولفت أستاذ علم الاجتماع إلى أن “التحدي الآخر الذي يواجه التحول الديمقراطي هو التوظيف الديني للخطاب السياسي ويعرف أن الجماعات الدينية لا تعترف بالديمقراطية لذلك لا يرى فيها إطار لتنظيم المجتمع أو لتداول السلطة، لذلك فإن التحدي الأكبر للتحول الديمقراطي هو أن تغير تلك الجماعات من فكرها للديمقراطية”.

وأضاف أن “توظيف الدولة داخل المجتمع لحالة من الصراع المجتمعي يعد أيضا تحدياً أمام التحول الديمقراطي، بسبب إبقاء حالة التعاونيات المجتمعية كما هي الحالة في توظيف الطائفة أو القبيلة في الصراع السياسي، وهو ما يضر بالثقافة الديمقراطية لأنه في هذه الحالة يتم الحديث عن حصص سياسية تتم على أساس طائفي وقبلي”.


تجارب ناجحة للتحول الديمقراطي

واستطرد النجار قائلاً: “كثير من الدول يطرح أن التنوع الثقافي والإثني في المنطقة العربية هو أحد المعوقات أمام التحول الديمقراطي ولكن تجارب مثل الهند دحضت ذلك القول، فالهند استطاعت أن تشكل أكبر ديمقراطيات العالم وكذلك فإن أكبر دولتين انفصلتا عن الهند وهما باكستان وبنغلاديش يمثلان دولاً صرفة للفشل”.
وتابع :”كذلك الحال بالنسبة للنموذج الماليزي الذي استطاع أن يتحول إلى ديمقراطية على رغم التنوع والتعدد الإثني وقد سعت الدولة لأن تجعل هذا النسيج المتنوع عجلة تدفع بالنمو والنهوض غير العادي الذي ميز الدولة الماليزية”.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن “ذلك ينطبق على الدولة السنغافورية التي استطاعت على رغم تنوعها المجتمعي أن تبني نظامًا تحكمه صناديق الاقتراع ومؤسساتها الدستورية”.

وأشار النجار إلى “النموذج التركي – الذي يعتبر ذا أهمية بالنسبة إلى الأنظمة العربية في إطار قدرة بعض جماعات الإسلام السياسي على إحداث تغيير مهم في ثقافتها السياسية من مسألة الإسلام – هو الحل لمسألة علمانية الدولة. وما حققته تركيا من صعود اقتصادي هو التحول في الثقافة السياسية لجماعات الإسلام السياسي التركية وهي تكاد تمسك بتركيا في كل المؤسسات السياسية باستثناء المؤسسة العسكرية، علاوة على أن الذين صوّتوا للنظام السياسي القائم كانوا من غير المسلمين”، لافتاً إلى أن “تلك المجتمعات استطاعت أن تشكل قوة دافعة للتحول الديمقراطي”.

فيروز: نائب الخدمات علّة قلة الوعي السياسي

في السياق ذاته، أوضح النائب جلال فيروز أن “على مستوى البحرين خصوصًا ليس هناك وعي ثقافي سياسي ذو درجة عالية، وذلك يعود إلى عدم الإلمام بالمهام السياسية والآليات الديمقراطية”.
وأضاف فيروز أن “النائب في البحرين يتلقى اتصالات من الناخبين يطلبون منه وضع مطب اصطناعي هنا أو هناك وهو خارج اختصاصات النائب البرلماني ولكنه يضطر لأن ينساق خلف تلك الطلبات وإلا الفشل والانتقاد من ناخبي دائرته”.

فخرو: الثقافة الديمقراطية تبدأ عند الأسرة

كما أشار المفكر د.علي فخرو إلى أن “البحرين جزء من الوطن العربي وما يجري في الوطن العربي ينعكس بشكل أو بآخر على الوضع في البحرين”.
وتابع: “نحن في البلاد العربية عبر امتداد التاريخ لم تتم بلورة رؤية سياسية تنظر في تداول الحكم وغيرها من الممارسات الديمقراطية ولكن حينما توجه نظرك للغرب فإنك ترى أن الديمقراطية مرت في مخاض طويل يعود إلى زمن أفلاطون الذي وضع بشكل أو بآخر أسسًا لتلك الديمقراطية”.
ولفت إلى أن “هناك العديد من الشخصيات الغربية بمختلف أطيافها التي ناقشت باستفاضة الديمقراطية وتدارسوها. والإشكال الذي يواجه الدول العربية هي عند تطبيق أول تجربة ديمقراطية في العصر الراشدي تزامنت مع الدولة الأموية والدولة العباسية اللتين رسختا الديكتاتورية”.
وأكد فخرو أن “إشكالاتنا هي عند الحديث عن الثقافة السياسية أننا لا نستطيع أن نرجعها إلى التراث العربي والإسلامي خصوصاً”، مبيّنًا “فالثقافة الديمقراطية تبدأ أساساً في العائلة، وعند النظر إلى العائلة العربية ترى أن الطفل العربي يؤمر ولا يخير، وبعدما ينتقل الطفل إلى المدرسة التي من الواجب أن تعزز في الطفل روح الديمقراطية نرى تطبيق العكس حيث يكون الطالب تحت إمرة المدرس ويكون المدرس تحت إمرة المدير وتكون المدرسة تحت إمرة الوزارة وهكذا دواليك”.
ودعا المفكر البحريني أخيرًا “الفقه الإسلامي إلى تحمل مهمته والبدء في ترسيخ الثقافة السياسية على أن تحمل المبادئ الكبرى كالعدالة والحرية والشرعية وتوزيع الثروة وتداول السلطة، فإن لم تتحرك تلك السلطة الدينية المهمة فسندور حول أنفسنا دونما نتيجة”.

مدن: مخطئ من يظن بمراهقة الديمقراطية العربية

أما مدير الندوة عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية حسن مدن، فقد أشار في مداخلته إلى أن “الحكومات تتحمّل المسؤولية الكبرى في عدم ترسيخ الديمقراطية، والأطروحات التي تنادي بأن الوضع المنطقة العربية لم ينضج بعد للديمقراطية قد أثبتت خطأها”.
وتابع: “أعتقد أن الثقافة الديمقراطية وثيقة الصلة بالممارسة الديمقراطية السياسية؛ لأنها تتشكل مع المجتمع، وهي الممارسة التي تصوغ هذه الثقافة السياسية والوعي السياسي بضرورة وجود هذه الديمقراطية”.

ولفت مدن إلى أن “هناك فضاءً مستقلاً خاصًا بالمجتمع يجب أن يتشكل حسب أهواء المجتمع دون تدخل الدولة ودون أن تصادره أو أن تحتكره فئة، وعلى الجانب الآخر يجب أن يكون هناك احترام للنظم السياسية للدولة من قبل المجتمع”، مبينًا أن “ما يجب السعي إليه هو الوصول إلى نقطة لتوازن المصالح بين المجتمع والدولة، ويتم الوصول إليها عبر عدم تدخل الدولة في فضاء المجتمع، وعلى الأخير أن يحترم الدولة”.
وأكد عضو مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية أن “ذلك التوازن يفرض على الدولة بناءً عليه ألا تضيق بممارسات المجتمع الديمقراطية أو أن تصنفها لمجرد معارضتها على انها أدوات تعطيل أو تجاوزات. فإلى جانب التطوير السياسي والديمقراطي الذي يسير فيه المجتمع يجب أن تواكبه الدولة وتطور من أداوتها وتعاطيها مع المجتمع، كل ذلك يصب في تطور العملية السياسية”.

 

جريدة البلاد: عيسى الدرازي
31 أغسطس 2009