المنشور

المسنــــــــود .. !

أحد أعضاء مجلس بلدي الوسطى صرح قبل أيام بأن مواطناً يؤجر حضور سترة بطريقة غير قانونية بذريعة أنه وكيل لأحد المتنفذين ومسنود .. !! تلك ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتم فيها نشر أو تداول قصص وأحداث ووقائع لا نستطيع أن نكتم قلقاً وجزعاً حيالها ، أبطالها عرفوا بأنهم من فئة المدعومين والمسنودين ومن ” لهم ظهر .. ” أو عندهم باور ” أو ” واصلين ” ، في مشهد وأن كان محملاً بتفصيلات كثيرة لا مجال للخوض فيها، إلا أن ما يعنينا أنه يعبر عن صور من الصور المحزنة لا ريب والسيئة في دلالتها ، هي في أبسط تحليل تشير إلى أخطاء وخطايا ترتكب بحق الوطن والمواطن على أكثر من صعيد بات من الضروري والملح أن توجه الجهود وبكل صدقية وجدية إلى اجتثاثها، وأحسب أن من بينها ما يتصل بالفساد ودور البطانات والشللية وجوقات المصفقين والمهللين والمبررين والمسوغين الذين نجدهم في مواقع شتى من مواقع العمل والمسؤولية خلقوا علاقات عنكبوتية يمارسون كل ما يمكن اقترافه وممارسته من أخطاء ورزايا وتجاوزات واستثناءات وتلاعب لينهبوا ما طاب لهم وما أمكنهم ذلك حتى وأن تشدقوا بشعارات يتفنون في تردادها، حتى بتنا كأننا في مسرحية هزلية مفككة الأوصال والمعني والمبني ، ولكم أن تتصوروا مدى تأثير ذلك على مجريات الأمور في هذه المواقع من العمل والمسؤولية بما في ذلك التعدي على الحقوق والتطاول على المال العام، ومسار تعيينات البعض وآليات هذا التعيين التي تهدر فيها المعايير ترشيحاً واختباراً واختياراً على حساب قواعد الجدارة والاستحقاق ، بحسبان أن كان الأمر قد اقتصر على التعيينات والوظائف . ماذا يعني أن يقال بأن فلان ” مسنود ” لا يطاله القانون، وأنه محصن ضد أي نوع من المساءلة والمحاسبة، وقادر على فتح الدواليب التي يصعب فتحها ؟! ماذا يعني ونحن نقرأ بين الفينة والأخرى أخباراً عن وقائع تشير الى تسلط نافذين، أو مسنودين تعدوا على حق خاص، أو ملك عام، أو خرجوا على مقتضيات ما يستوجب المواجهة والردع بحزم القانون وشدته دون صدى يذكر . ماذا يعني أن يشكوا البعض مرّ المعاناة من مسؤول أو مدير يقال إنه ” مسنود ” أو يختبىء وراء منصب ليتحكم في مصائر الناس والآف المراجعين ويمارس سلب الحقوق أو يكيل بمكيالين ويقدم المستحق على غير المستحق دون أن يساءله أو يحاسبه من يفترض أن يساءل ويحاسب ، فقط لأن هذا المعني مسنوداً من هذا أو ذاك . ماذا يعني أن يمعن البعض في إيهام من حوله بأنه مسنود من ” كونكريت مسلح ” وأن له اتصالات بكبار، ليتخذ من هذا الإسناد معبراً لتمرير الكثير من المخالفات والصفقات والتجاوزات وإخراس من يحاولون التصدي له . لعل ذلك يعني أو ما يعنيه أننا في حاجة إلى المسارعة في وضع الأمور في نصابها الصحيح، لأن استمرار هذا الشرخ ليس من المصلحة العامة بأي معيار، ونعتبر كل طرف من الأطراف التي يفترض أنها معنية والتي تسكت عن هكذا أوضاع له نصيب من المسؤولية ينبغي أن يتحملها . وذلك يعني أيضاً أننا لازلنا في حاجة إلى المزيد من العمل والجهد لعمل كل ما يحول دون استغلال المنصب والسلطة ويمنع ارتكاب الأخطاء التي تجر على البلد وأهله الكثير من المآسي . كما ان ذلك يعني أننا لازلنا في حاجة إلى استراتيجية واضحة الأهداف والمنطلقات والآليات التي تجعل من محاربة هذه الممارسات والفساد في صدارة الأولويات، وبنفس القدر من الأهمية ذلك يعني أننا لازلنا في حاجة ملحة لإرساء حكم القانون وإدخال الإطار القانون الواضح في أعمال السلطة التنفيذية، وإخضاع كل المسؤولين المسنودين وحتى الذين يستندون على ” حيطة مايلة ” لإحكام القانون والضوابط الإدارية بشكل شامل وشفاف وبدون تمييز أو استثناء . نعلم جيداً بأن الإصلاح الإداري بات مطلوباً وأن الرؤية الاقتصادية مرحلة 2030 لابد أن تضع ضمن أولوياتها هذا الإصلاح ِ الذي نفترض أننا به سوف نتخطى مرحلة عدم التقيد بتطبيق القوانين والأنظمة وهو الأمر الذي شكل عقبة رئيسية أمام تكافؤ الفرص والمساواة بين الجميع، مما يفتح مجالاً واسعاً للمحسوبيات والمساومات والتدخلات أياً كان نوعها، ومثل هذا الإصلاح لجعل تحديث الإدارة والدولة حقيقة متجددة باستمرار لاشك أنه موضع ترحيب في كل الأوقات، ولا يجوز في أي حال من الأحوال حرمان البلاد من إجراءات إصلاحية ادارية حقيقية باتت ملحة لمنع التطاول على القانون والحد من الفساد وحتى وأن خرج فاسد أو مفسد، أو إنسان عديم الذمة والكفاءة وأدعى أنه مسنود .
 
صحيفة الايام
5 سبتمبر 2009