المنشور

رفع التناقض بين القطاعين العام والخاص

لكلِ بلاد شرقية طريقتها في التوصل إلى رفع التناقض بين القطاعين العام والخاص، ففي أغلبية هذه الدول التهم القطاعُ العامُ الاقتصادَ، وتمت تنمياتٍ بأشكالٍ شتى، فيها تطورٌ اقتصادي وفيها تنمياتٌ كبيرة للجيوب الخاصة كذلك.
الخروج من سيطرة القطاع العام وجيوبه المثقوبة والحفاظ على التنمية وتطور القوى العاملة هي همُ الشرق كله، وتحدث هنا عقلانيات مختلفة، وعلينا أن ندرس هذه القضية المحورية دراسات معمقة بمناخ هذه العقلانيات، لأن اللاعقلانيات تعني الحروب الأهلية والصراعات السياسية المجهولة المصير وتمزق البلدان التي نشهد لها نماذج كثيرة.
في البلدان التي سُميت شيوعية زوراً التهمتْ الدولُ قوى الإنتاج، وشكلت تنمية كبيرة توقفت عند الأشكال الكبيرة للصناعات التحويلية، وفيما بعد ذلك عجزت عن التطور الصناعي، فعجزت عن مسايرة الاقتصاد الرأسمالي “الحر” في ثوراته التقنية.
وقامت الإدارات الصينية في جمهورية الصين الشعبية بالخروج من هذه الهيمنة، بتوسيع حضور القطاع الخاص، لكنه ليس أي قطاع خاص، بل القطاع الخاص الصناعي الشعبي الواسع النطاق.
بطبيعة الحال تمثل تجربة الصين الشعبية تجربة رائدة في الخروج من سيطرة القطاع العام الكاملة.
ولا يمكن تقليدها لاختلاف وضع الصين وخصوصية تجربتها وقيامها بالتنويع بين القطاعين العام والخاص بشكل تاريخي سابق، بحيث ضبطت عملية التطور المركبة المتناقضة كذلك.
فمؤسسات القطاع العام الكبرى التي تحتل أغلبية الاقتصادين الزراعي والصناعي، تم كسر احتكارها وأقيمت مؤسسات للقطاع الخاص في بعض المناطق الكبيرة وأثبتت نجاحها عبر نمو استيرادها للخارج بحيث تم توسيعها لتشمل مناطق أكثر.
“حتى نهاية يونيو الماضي، هناك أكثر من 6 ملايين و900 ألف مؤسسة من القطاع الخاص في أنحاء البلاد، وبلغت رؤوس الأموال المسجلة زهاء 13 تريليون يوان صيني، وبلغ عدد العاملين فيها 82 مليونا و120 ألف شخص، وبزيادة مقدارها 31،5% و11،9% و9،3% على التوالي مقارنة بنهاية العام الماضي”.
ومن الجوانب المهمة في التجربة الصينية تشغيل المنتجين الصغار وتحويلهم إلى ركيزة للاقتصاد:
“لقد استطاعت الصين أن توظف العامل البشري توظيفاً جيداً الذي يبلغ 5،1 مليار نسمة ، من خلال المشروعات الصغيرة والقروض الطويلة الأجل، وبالتالي تحولت المنازل إلى ورش عمل صغيرة في وقت يوجد وكيل للتسويق”.
استمر القطاع العام في إنتاجيه الزراعي والصناعي باعتباره الركيزة الكبرى للاقتصاد، لكنهُ طورَ القطاع الخاص الإنتاجي على نحو تجريبي أخذ يتصاعد وتـُدرس نتائجه في كل مرحلة، مما خلق تطورا اقتصاديا وطنيا كبيرا.
ولم يحدث ذلك إلا عبر القروض، ثم اعتمد القطاع الخاص على نفسه وجلب فوائض كبيرة للاقتصاد الصيني.
هذا التعاون بين القطاعين العام والخاص هو شكل التجربة الصينية ذات الظروف الخاصة، وهو من وجهة نظر الدولة شكل من التدرج في المجتمع الاشتراكي لتطوير القوى المنتجة كي تكون في مستوى الانتقال للاشتراكية.
“وقد تكللت هذه التجربة بالنجاح، ففي عام 1992 بلغ حجم التجارة الخارجية للمناطق الخمس الخاصة (24) مليارا و(280) مليون دولار. وهي تشكل نسبة (65،14%) من حجم التجارة الخارجية للصين”، (دراسة في التجربة الاقتصادية الصينية، أحمد عبدالأمير الأنباري، شبكة النبأ المعلوماتية).
لايزال القطاع العام مسيطراً على أغلبية الإنتاج، ويظل القطاع الخاص صغيراً ومحدوداً في الاقتصاد الصيني.
لكن لماذا يظل القطاع العام سلبيا وغير قادر على تكوين تطور تقني كبير ويعرقل القفزات الانتاجية، في حين ان ظهور القطاع الخاص أدى إلى تفجر الاقتصاد الصيني بالفوائض؟
لقد قامت الدول الاشتراكية بالقفز على التطور الطبيعي، وأوجدت هياكل اقتصادية توقفت عن النمو، وصارت العودة للاقتصاد الرأسمالي ضرورة، لكون الملكية الفردية ذات فاعلية أكبر، وهي تنشئ سوقاً تنافسية.
يغدو رفع التناقض بين القطاعين العام والخاص تاريخيا، أي يبدأ بأشكال صغيرة حتى يتعمم في الاقتصاد كله، فتنافس القطاعات الاقتصادية يخلق السوق ويؤدي إلى تطور القوى المنتجة، بينما سيطرة قطاع الدولة تؤدي إلى ذبول الاقتصاد ونهشه من قبل البيروقراطيات. وليس هذا حبا في الرأسمالية بل هو التطور الموضوعي للاقتصاد.
إن للاقتصاد الرأسمالي قوانين عامة يبدأ الشرق تطبيقها وهو يمتلك قطاعات عامة كبيرة، ودور قيادة الحزب الشيوعي هو اختيارها الدقيق للتنمية الصناعية على مستوى شعبي.

صحيفة اخبار الخليج
2 سبتمبر 2009