المنشور

عن الثقافة الديمقراطية

ضمن برنامج المجالس الرمضانية الذي ينظمه معهد البحرين للتنمية السياسية، قدم صديقنا الدكتور باقر النجار محاضرة عن الثقافة الديمقراطية في مجلس النائب جلال فيروز، وقد أجاد المحاضر في طرح أفكار مهمة على صلة بهذا الموضوع، مستعرضاً مكونات الثقافة الديمقراطية وأوجهها، ومستشهداً بتجارب بلدان مختلفة، غربية وأخرى داخلة في النطاق الآسيوي كالهند وحتى الإسلامي مثل ماليزيا. ويبدو لي أن الثقافة الديمقراطية في أي مجتمع لا تنفصل عن الممارسة الديمقراطية، وإذا كانت الأفكار تمهد للتحولات، فان التحولات هي التي ترسخ الأفكار وتوطد دعائمها وتجعل منها نمطاً من الوعي والعيش، وبالتالي فإننا لا نتوقع أن تشيع الثقافة الديمقراطية في مجتمعٍ يهاب الممارسة الديمقراطية ويخشى ما ينجم عنها من مفاعيل. أنظمة الاستبداد في الشرق، وعالمنا العربي في القلب منه، روجت، وما تزال، أن شعوبنا غير جديرة بالديمقراطية، لأنها ليست ناضجة لها، فهي تتطلب وعياً وثقافة وتعليماً، ولكن هذه حجة العاجز أو الخائف من ولوج الممارسة الديمقراطية، لأنه يجد فيها تهديداً لمصالحه في الانفراد بالسلطة والثروة، فيما الديمقراطية تتطلب المشاركة والتقاسم في الأمرين. الثقافة الديمقراطية تفترض الممارسة الديمقراطية، التي من خلالها نختبر قابليات الناس لأن يحسنوا استخدام الديمقراطية، التي تتطور تدريجياً، والمجتمعات كافة، من خلال التدريب الديمقراطي، تتدرب على إدراك أهمية الديمقراطية وأهمية ما يقترن بها من مكتسبات، وأهمية أن تصبح هذه الديمقراطية ثقافة وتعليماً نتلقاهما في كل مفاصل الحياة، بما في ذلك في غرف البيوت وفي غرف الدراسة. للهروب من الاستحقاق الديمقراطي تقول أنظمة الاستبداد إن لنا ديمقراطيتنا النابعة من ظروفنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولا يمكننا مجاراة شكل الديمقراطية في الغرب، ويذهب الغلو ببعضهم ليقول انظروا ماذا فعلت الديمقراطية في لبنان: لقد أحرقته، لكن ليست الديمقراطية هي من أحرق لبنان، وللدكتور سليم الحص قولة مأثورة في هذا المجال هي:” في لبنان الكثير من الحرية وفيه القليل من الديمقراطية”. الراحل الدكتور إسماعيل صبري عبدالله ردّ مرة على الأطروحات القائلة بأن ديمقراطية الغرب لا تناسبنا بحجة دامغة، حين قال ما معناه: فليكن الأمر كذلك، شريطة ألا يكون البديل هو غياب الديمقراطية كليةً. ليست الشعوب هي من يتحمل غياب الثقافة الديمقراطية، إنما الحكومات، لأنها تحجب الديمقراطية وتقمع المطالبين بها، وتتطاول على فضاءات المجتمع المدني فتصادرها كاملة، وبالتالي تحول دون المجتمع في أن يكون قوة متكافئة مع الدولة، والدولة، منظم وناظم ضروري لأمن المجتمع واستقراره وتنميته، إذا وفت هذه الدولة بشروط العدل والمساواة بين مواطنيها، وحين تضعف الدولة أو تنهار يضعف المجتمع أو ينهار. لكن قوة الدولة يجب ألا تكون على حساب قوة المجتمع، فلا بد من بلوغ مرحلة من توازن المصالح، بموجبها يحفظ المجتمع مهابة الدولة ويحترمها ويلتزم بالأنظمة والقوانين التي تنظم سبل الحياة في البلد المعني، مقابل أن تحترم الدولة استقلالية المجتمع المدني، وتقر بمجاله المستقل عنها الذي لا يحق لها مصادرته أو احتواؤه والتدخل فيه. على القوى الفاعلة في المجتمع أن تتحلى بالثقافة الديمقراطية، هذا صحيح، ولكن شرط ذلك أن تكون الدولة ذاتها قد أهلت نفسها بهذه الثقافة أولاً.
 
صحيفة الايام
2 سبتمبر 2009