المنشور

منهج آخر للجزيرة العربية

الاتجاهات العربية التقليدية تواصل معاركها اللفظية مع الاستعمار والصهيونية.
مضت عقود طويلة ومعارك كبيرة ونتائج خاسرة هائلة، لكن لم تتجدد تلك المناهج والرؤى التقليدية الشمولية، وبقيت خميرة راكدة لم تنضج لطبخة جديدة، ولم تنتج أفكاراً خلاقة، وكادت أن تموت هذه التيارات التي ناضلت طويلاً وتخثرت.
وتمسكت بقوى دينية هي أكثر منها جهلاً بالتطور التاريخي وبالتعقيد السياسي، واللغة بسيطة، والشعار سهل: هاجموا العدو، لكن مهاجمة العدو بتلك المناطحات انتجت المزيد من التراجعات والهزائم.
لم تحدث في هذه الصفوف السياسية تطورات اجتماعية كبيرة: قراءات أعمق للأفكار الحديثة ونشرها بين الناس، إعادة نظر للنظريات والفلسفات والتجارب السياسية، بسبب أن الأجيال الجديدة الملتحقة بالجماعات القومية والدينية لا تقرأ ولا تدرس وتكتفي بحفظ الشعارات القديمة نفسها.
كذلك فإن احتكاكها بالعمال والفقراء محدود، ولا تسمع سوى الضخ الذي يأتي من بقايا الأنظمة والحركات الشمولية العسكرية، وقد كانت معاركها هي التي استنزفت القوى البشرية المناضلة وعرت الشجرة الخضراء ولم تبق سوى أوراق صفراء تتساقط واحدة بعد أخرى.
إن التصدي للاستعمار والصهيونية والتخلف هو واجب علينا، ولكن كيف؟
هذه هي القضية.
تداخلت قضية تغيير الأنظمة الشمولية الدموية بقضية التحرر، فقد قامت هذه الأنظمة الشمولية نفسها باستدعاء القوى الغربية وكرستها في منطقتنا بأساطيلها وأسلحتها، والآن يقوم النظامُ الإيراني بشكل مقارب لذلك، أي يستدعي القوى الغربية والحرائق، بالحجج الواهية نفسها عن مقاومة الاستكبار العالمي.
كانت الخطوات تنمو باتجاه التخلص من القوى الغربية، فتضخمت تلك الأنظمة ونفشت ريشها، وخربتْ الكثيرَ من السياسيين والمثقفين لكي يؤيدوا سياستها القومية الاستعراضية التي جلبت النتائج الكارثية المعروفة.
في حين كانت نتائج صراع الأنظمة العسكرية الشمولية في قلب الوطن العربي قد وسعت من الاحتلال الصهيوني، وجاءت سياسة السلام لتخفف من ذلك، ولتنسحب إسرائيل عن مواقع مهمة، ولكن سياسة التهور والانفراد جلبت الكوارث وصعدت القوى المتطرفة في إسرائيل وأعادتها للحكم وليبقى الاحتلال مرة أخرى.
إن محور المراهقة القومية والدينية يتجدد بأشكال مختلفة، وكلما قام نظام عسكري شمولي حرك قواه المختلفة ليخرب أي علاقات سلمية بين الشعوب، ولتتجدد المعارك من دون أي نجاح للعرب وأي تقدم لقضية تحرر أراضيهم وأبعاد القوى الأجنبية عن المنطقة.
سياساتهم كانت ولاتزال هي إسقاط الأنظمة ولكن على رؤوس الشعوب.
لماذا لا يقدرون على سياسة النضال التدريجي؟
هذه تتطلب تطوير القوى الشعبية وحياتها وظروفها، ومعارفها وتنظيماتها النقابية والسياسية، وهي سياسة صبور تتجنب المغامرات وتحول حياة الناس كذلك، وهم لا يستطيعون ذلك، بل هم مشغولون بالمانشيتات الساخنة الحارقة والألعاب النارية.
لابد من حراك لتغيير التخلف في منطقتنا الجزيرية الخليجية بصورة مغايرة لما ساد عربيا قبل عقود، يجب أن نتجاوز ما ساد عربيا وننفيه فكريا وسياسيا.
– دراسة أوضاع العمال والفقراء وكيفية تغيير حياتهم وتطوير ثقافتهم بما في ذلك الحراك النقابي التحويلي لظروفهم، مع دعم الأنظمة السياسية وتحولاتها الليبرالية والتحديثية والديمقراطية.
– دعم تحولات وحريات النساء بما يحافظ على تطور الأسر والتماسك فيها وتكريس العائلة المنتجة الديمقراطية.
– دعم التحولات الإسلامية الديمقراطية، عبر تكريس العقلانية وقراءة تراثنا بصورة موضوعية توحد المسلمين وتحررهم وتشكل روابط عالمية تحديثية نهوضية كبرى بينهم.
– تشكيل سياسة خارجية نشطة تستند إلى مبادرة السلام العربية مع تكوين جبهات واسعة من قوى السلام والديمقراطية في المنطقة والعالم لهزيمة التوسع الصهيوني.
– تطوير قوى الإنتاج الصناعية والعلمية في المنطقة.
إنها مهماتٌ صعبة في طوفان من التحولات والهجمات والمؤامرات ولكنها ممكنة إذا قاومنا التطرفين المغامر الطفولي والإسرائيلي معاً.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 سبتمبر 2009