المنشور

«اتصلوا بـــــــــــي!!»

تابعت بتمعن في الفترة الأخيرة بروز ظاهرة سياسية – وهي في طورها الجنيني – نأمل أن تكون في بدايتها تعبيرا عن ظاهرة انتخابية صحية أكثر من كونها مناورة وبالوناً سياسياً لمن يهمهم الأمر، متمنين لتلك الظاهرة أن لا تخفت قبل اقتراب مرحلة التنافس الانتخابي الساخن، حيث يبدو من تضخم هذه الظاهرة دوافعها السياسية الفعلية وتوجهاتها الدعائية الشخصية، وكأن الشخصية – وأنا هنا لا احدد أحدا – فهي ظاهرة بحرينية عامة بل وعربية في ظل غياب قيم المؤسسات السياسية وثقافتها – فهذه أو تلك تبدأ مشروعها الانتخابي مبكرا، بعضهم على شكل رسائل وتصريحات والبعض على طريقة عبارتنا المكررة “اتصلوا بي” وهي عنوان مقالتنا! نقول لهؤلاء جميعا مبروك عليكم ولكم تلك الاتصالات “الشعبية!” سواء كانت كل الدائرة أو الجزء الغالب منها أو حتى جزء من مجالسها ورموزها أو حتى عوائل وشلل، فهذا الاتصال “الجماهيري” المحدود ربما يكون قوة دفع إعلامي وجس نبض لشارع يكاد يكون مرتبك خلال السنوات الأخيرة بالكثير من المؤشرات ومن أسوئها الظاهرة الطائفية والذهن الضيق المحدود لفهم معنى التجربة الديمقراطية ومعنى الحريات العامة، وهي انتكاسات عبرت عن نفسها في بداية الانطلاق عام 2002 في تلك الثنائية والعلاقة ما بين النائب والناخب. وبما أن الشارع السياسي والإعلام المفتوح والمستعجل كان يلوم المترشحين – كتلا أو أشخاصا – عن كونهم يتحركون متأخرين، نجد اليوم الحالة العكسية كالتحرك بشكل هائج ومائج وغير مدروس حتى من باب فن الإعلام والعلاقات العامة، وهي مؤسسات ربما يجهل غالبية من يخوضونها لأسباب عدة لسنا في وارد ذكرها. من رددوا عبارة “اتصلوا بي” سيتكاثرون تباعاً وسنجدهم يفتحون مجالسهم لتلك القبائل الجماعية السياسية القادمة من “زرانيق الفرجان” والذين يجدون في كل شلة صغيرة قوة انتخابية كأصوات مبعثرة ولكنها في النهاية تقود إلى قبة البرلمان ولا يهم بعدها إلى أين يمضون ويكملون “الكوت ستة” المهم هم حالة اشتعال غاضب وانفعالي دون معنى وهم حالة انسياب دائم دون توقف، فكل ما يحركهم هو ذلك الوعي المنصوبة شراكه دائما تحت عباءة صغيرة تجيد فن اللعبة، وهي محاطة ببيت الأسرار وكمائنه. قلنا سابقاً وفي سنوات عدة إن الحياة الديمقراطية في عقودها الأولى ستكون مخاضاً وتجربة عسيرة يتعلمها جيل كامل من الشبان، وهم الرعيل الفعلي الذي ستكون الديمقراطية مشروعه المستقبلي. لهذا عبارة اتصلوا بي لن تتوقف بقدر ما سنراها ظاهرة لغوية “مكثارة ومدرارة” عبر التصريحات المتتالية في إعلام بوابته الصحافية تقوم على نغمة التركيبة الشخصية والهاتفية وما بعد تلك النغمة الرنانة، فأصحاب الأقلام الصحفية هم أيضا، صاروا يودون نسخ عبارة اتصلوا بي لكونهم أيضا تم الاتصال بهم، فنحن لا نريد اتهام الزملاء بأنهم لم يتم توجيههم وإنما تحركهم كان مجرد محض الصدفة. ما نراه هذه الأيام من “بازار” التصريحات النيابية والهلوسة السياسية، وفن الاستعراض الخطابي والشخصي، يجعلنا نتوقف أمام الظاهرة بنوع من الريبة السياسية، خاصة وأن كل من خبر المعترك السياسي لا يقع بسهولة في مستنقعات الأوراق الصفراء ولا حتى البيضاء بل ولا حتى الالكترونية، فما تنشره المواقع الالكترونية قد يكون أسوأ وأكثر عدوانية وفظاظة لكونها خالية وبعيدة عن عنصر الرقابة والأخلاقية المهنية. نرحب بكل مودة بهذه “الموضة السياسية” في بلدنا خاصة وأن هذه الموضة مرتهنة بفضاء الانتخابات وزمنها وبعدها ندخل بسلام آمنين في موضة الاجتماعات النيابية دون أن نرسم ذهننا ونعيد صياغة برامجنا لشارع بحاجة لوعي استراتيجي يستصرخنا لإنقاذه من لوثة فكرية وسياسية تحاصره من كل الجهات والاتجاهات، في ظل ظروف محلية ودولية لا تخدمه بتلك السهولة التي نتوهمها أحيانا، وكل رهاننا بات اليوم على قدرة شعبنا “الصغير المفتت” بروحية العداء الصامت بين نسيجه الكاذب، فليس كل ما يكتب ويقال في الساعات الوردية والمناسبات هو حقيقة ما يعيشه الناس في فصول وشهور السنة وتقلباتها الحياتية. وما دام بازار التنافس الانتخابي في بدايته، فإن عجلة وأصوات “الباعة” وفرقعة عجلاتهم وهم يروجون بوسترات انتخابية وأسماء لم تطبع بعد صورها في المطابع، فإن كل ما يهم الشارع السياسي ومجالسه هو متعة الإشاعات وتداخل الحقائق معها، بحيث ينتفخ البالون بالماء، طاقته الانفجارية اكبر من تلك النفاخة الصغيرة. وكما يقال، إن الإشاعات عندما تنطلق تتسع لوحدها، فما بالنا إن كان هناك فريق قادر على صنع تلك القيم الحداثية لفن تحريك وتشويش شارع صغير بحجم بلد كالبحرين. سنتابع بكل هدوء الظاهرة وهي تتسع وتقترب من مرمى الهدف إلى أن نستمتع يومها بمناخ انتخابي هو في النهاية عرس وتجربة بحرينية تتراكم بكل علاّتها وعللها، المهم أن نسعى جميعنا، أن نجد في تلك التجربة ملاذنا القانوني والأخلاقي والدستوري، أما تفاصيل الأشياء بما فيها اللسان، فإننا لن ننجح قط بمنع الألسن من قول ما تريد. ألم نقل يوماً إن اللسان ليس به عظم!
 
صحيفة الايام
1 سبتمبر 2009