المنشور

الغربة أنواع

تحتشد الأفكارُ السائدةُ العربية الراهنة كأشكالٍ من الغربةِ عن الأوطان وعن الإنسان.
يقول الديني إنه سيجمعُ الأموالَ للمنكوبين والضحايا لكن صناديق الزكاة تذهب إلى الإرهابيين.
نحن لا نرى تطويراً وإنقاذاً واسعين عميمين بل نرى شراً كثيفاً.
أموالنا تنقلب ضدنا وتصير سيارات مفخخة ولا أحد يدري من أي ذهب يُشوى العراقيون؟
كيف نوسعُ الصدقات والزكاة والتعاون ونخفض الفقر والقتل والحرق والتعذيب والحبس؟
كانت صورةُ الإلهِ في الإسلام واحدةً ثم تقسمتْ بين المذاهب والأفكار، لأن الدولةَ كانت لأغلبيةِ الناس، ثم صارت لأقلية الناس.
وسيطرت على المذاهب أقلية الناس أيضاً، فتوسع الاغتراب.
فمن يحمي الفقير، وهو أساس الأوطان؟ وأساس الانتماء؟
حاولت المذاهبُ المستوردةُ من الغرب أن تدافعَ عن الفقراء، وصارت أفكاراً عامة مجردة، ينقصها مضمونُ كل شعبٍ ومدى جهوده الفكرية، وحاولتْ أن تخففَ من الجمود الديني، الذي هو غربةٌ عن الإسلام، أي غربة هذه المذاهب في عدم نضالها عن عامة المسلمين الفقراء، وانتمت تلك المذاهب المستوردة إلى الفقراء وضحت من أجلهم وضُربتْ فعادتْ مذاهبنُا الإسلامية التقليدية بغموضِ انتمائِها إلى الأغلبية الشعبية، فلديها أقدام كثيرة عند الأغنياء وأقدام قليلة عند الفقراء.
وبعد سنوات الدوس والنفي تحتاج مختلف الأفكار إلى جو سلمي وجدل مع الحياة ومع بعضها لكي تزدهر جميعاً.
هل هو ممكن أن تزدهر جميعاً ؟
نعم ممكن إذا أخذت مصالح الأغلبية بالاعتبار والاهتمام وهي تهتم بمصالحها.
إن غربة العلمانية هي غربة فئاتِ الاستيراد التجاري والبنكي والموظفين الحكوميين عن الفقراء.
إن غربة الليبرالية هي غربة أصحاب الرساميل والثقافة عن العاملين المسلمين، هي الشعارات الحديثة في الفضاء الفارغ، لا تدرس أجوراً ولا تعرف توظيفات وطنية مغيرة بل وطنها هو الربح فقط.
كما أن ذهبَ الناسِ ونفطهم وغازهم وبحرهم وفوسفاتهم التي ينتجونها بتعبهم وتضحياتهم تغدو غريبة عنهم، وأشياءَ تتحول إلى بنوك وضرائب وفواتير ومدن تصير أقفاصاً تحضنهم بقسوة، فكذلك الأفكار والمذاهب تصيرُ غريبة عنهم، بل تصيرُ قيوداً لاعتقالهم، ولعدم قدرتهم على تغيير أوضاعهم.
إن العودة للانتماء هي عودة للناس، أن تصبح الأفكار متبصرة لمصالح الأوطان والأغلبية.
لكن كيف والمدن مخنوقة بالعمالة الرثة والمهاجرة والمدن حصالات والبرلمانات مخنوقة بالمصالح وبالرقابات، والأموال كثيفة وكثيرة ولكن تائهة بين الخزائن؟
هذا هو السؤال.

صحيفة اخبار الخليج
28 اغسطس 2009