المنشور

تيارنا الديمقراطي: هموم ومهام – 6

هيأ المناخ الذي شاع في البلاد بعد انطلاقة المشروع الإصلاحي للتيار الديمقراطي فرصة غير مسبوقة في أن يعيد بناء صفوفه في ظروف العلنية، وفي ظل مقدار الحريات المتحقق في البلاد، والذي يظل مهماً، رغم قناعتنا بأنه بحاجة لنضال دؤوب ليس فقط للحفاظ عليه وعدم التفريط به، وإنما أيضاً في سبيل تطويره باستمرار. إنها الفرصة الأولى بعد عقود القمع التي تستطيع فيها الحركة الوطنية والديمقراطية في البلاد أن تلتقط أنفاسها، وأن تجني بعض ثمار نضالها وتضحياتها الجسيمة، وفي مقدمة هذه الثمار أن تعمل بصورة علنية، حتى لو كان هذا النشاط العلني قُيد بمنظومة تشريعات بينها بعض أحكام قانون الجمعيات السياسية وقانون التجمعات وقانون الصحافة والنشر وسواه من تشريعات منظمة لشؤون الحريات العامة، بما فيها حرية التعبير والتنظيم. لكن الوضع الجديد بمقدار ما حمل من ايجابيات، كشف عن تعقيدات كثيرة، هي الأخرى غير مسبوقة، بينها أن شروط العمل العلني مختلفة عن تلك التي كانت في العمل السري، وأن الخطاب السياسي الذي يجب أن يقدم في الظروف الجديدة بات هو الآخر مختلفاً، لا من باب أن يتخلى التيار الديمقراطي عن ثباته على مبادئه، وإخلاصه للأهداف التي ناضل في سبيلها، وقدم من اجلها التضحيات، وإنما لأنه بات مطلوباً منه أن يكون مبادراً في تقديم البدائل المقنعة والبرامج الرامية للتغلب على معوقات الإصلاح السياسي، فلم يعد الخطاب العمومي المختزل في الشعارات كافياً، وأصبح المطلوب إظهار حرفية العمل الحزبي وكفاءة المنخرطين فيه من خلال مثل هذه البرامج، وشحذ ما لدى كوادر الحركة الوطنية الديمقراطية من خبرات وقدرات مهنية في الإجابة على الأسئلة الكبرى التي يتطلبها الوضع الجديد. لن نقلل مما قام به أعضاء وكوادر تنظيمات تيارنا الديمقراطي خلال السنوات الماضية، ولكن لا بد من الاعتراف بأن ذلك لم يوجه لإبراز الطرح المستقل للتيار الديمقراطي وتوكيد حضوره في المجتمع المدني، لأن أعباء التحالفات التي وجد التيار الديمقراطي نفسه في إطارها أرهقته، وغيبت رؤيته الخاصة تجاه قضايا لا نقلل من خطورتها وأهميتها وإلحاحها، ولكن فهمنا لها لا يتطابق بالضرورة مع فهم شركاؤنا في العمل السياسي، كأمثلة: التمييز والتجنيس وسواها. صاغت الدولة علاقتها مع المعارضة انطلاقاً من هذه الحقيقة، فطالما كان التيار الديمقراطي مشتتاً، ومتردداً في إظهار رؤيته المستقلة، فمن الأفضل لها التفاهم مع الحلفاء الكبار لهذا التيار الذين يملكون قوة التأثير في الشارع لبلوغ ما ترتئيه من تسويات تراها ضرورية وملائمة لها، وكما جرى لحظة التصويت على ميثاق العمل الوطني حين جرى التفاهم بين الحكم وتلك الاطراف، فان الأمر تكرر ويتكرر عند المنعطفات الفاصلة من تطور الأوضاع السياسية، حيث تجري الدولة ما تراه ضرورياً من تفاهمات مع هؤلاء الرموز من رجال دين أو حتى مع قادة ميدانيين. غاية القول أن التيار الديمقراطي بمكوناته الأساسية أخفق في أن يكون محاوراً للدولة، لأن ما هو عليه من تشتت ومن ضعف في استقلاليته السياسية جعل النظر إليه يتم على أساس انه التابع أو الضعيف، ومن الأجدى التفاهم مع الأقوياء، سواء تم ذلك بوعي منا أو بدونه.. نتابع غداً.
 
صحيفة الايام
25 اغسطس 2009