المنشور

مؤتمر فتح والظاهرة الستالينية!

وصف النقاد موت ستالين التاريخي لا يعني موت الظاهرة الستالينية، وهي التي نراها تتسيد على الكثير من المؤتمرات العربية وبروز ظاهرة الصراع بين رعيلين في الحزب وان كان الجيل القديم أو بتسمية أوضح وغير محببة «الحرس القديم» وهي عبارة أطلقها الغرب في مرحلة الحرب الباردة، على تلك القيادات السوفيتية المتناسلة الواحد تلو الاخر والذين شكلوا في غالبيتهم أعمارا كبيرة كانت تقف محاذية للموت في كل لحظة، ولكنهم ظلوا دائما متمسكين بمقعد القيادة الحزبية بحجة أنهم المتراس التاريخي للثورة وحصنها المنيع عن الانحراف، وهم الميراث التاريخي الشرعي لها. هذا المنطق المتتالي في سجلات الأحزاب في معظم البلدان فقدت الآلية الديمقراطية سواء في داخل المجتمع أو الحزب، وسيادة دور الرجل الأوحد والأسطورة الفردية لرجل فوق الأخطاء والمحاسبة. هكذا ظلت حركة فتح منذ مؤتمرها الخامس عام 1989 بعيدة عن كل لوائحها التنظيمية التي تستدعي عقد المؤتمر بشكل منتظم، ولكن القيادات التاريخية تعللت دائما إما بظروف الوضع الفلسطيني التاريخي والسياسي والجغرافي أو لوضع الحركة داخل تلك الظروف المستعصية. هكذا توالت الحلقة تجر نفسها حتى داخلت الحركة عامها العشرين ورحل الرجل الذي كان حديديا ومحببا ومحترما ومنفردا في اغلب القرارات وقادرا بحلقته العليا الضيقة في القيادة على تسيير أمور الحركة التنظيمية والمالية والسياسية والعسكرية. ولكن هل بإمكان حركة مترهلة ومنقسمة بعده أن تواصل مسيرتها بين جيلين أو رعيلين لهم الحق في المحاسبة والمساءلة لكل ما اعترى الحركة خلال العقدين أو حتى ما قبل ذلك التاريخ؟ دون أن تلقي مسافة الزمن الاحترام المتناهي لرجلها الأول الزعيم ياسر عرفات. ربما اختلف المراقبون على أهمية المؤتمر العام السادس للحركة من حيث تاريخيته، ولكنهم ظلوا يتناوبون الأسئلة الغامضة التي ستحرك مسار ونتائج هذا المؤتمر، بل واتجاهه مستقبلا، إذ ربما يكون سببا في انهياراته المستقبلية أو العكس، خاصة وان وجود ثلاثة تيارات داخل المؤتمر واضحة معالمها وتيار رابع وصف بالاتجاه التوفيقي، وهو الذي بإمكانه أن يصب أصواته في اختيار من سيمنحه المزيد من المقاعد في المجلس الثوري أو اللجنة المركزية لفتح. ولا يختلف من عاشوا تجارب المؤتمرات التاريخية – خاصة كمؤتمر فتح المتكلس لعقدين- أن يشهد أصواتا فوضوية كما وصفها عباس نفسه، وأصواتا أخرى تتهم الرعيل الأول أو غيره بشراء الأصوات عن طريق زيادة حصة «الأقرباء والموظفين في مكاتبهم» والذين حضروا كمشاركين للمؤتمر. ولن نستغرب أن يصبح دم الحركة مجددا بالرعيل الثاني من تيار مروان البرغوثي، والذي سيستثمره الجميع داخل المؤتمر إذ المزايدة على السجناء والشعارات هي من أكثر صفات المؤتمرات وضوحا. من وصفتهم وكالات الأنباء «بالإصلاحيين» هم من سيحاولون مسك خيوط الثورة والحركة في ظل أوضاعها التاريخية الصعبة فالحركة تعيش تحت سندان حماس ومطرقة الاحتلال الإسرائيلي مما يضع السلطة الفلسطينية الحالية أمام مأزق تاريخي بحاجة لمعالجة تتسم بالحكمة والمرونة والمبدئية. ومن الطبيعي أن يتعرض مؤتمر تجمدت أوصاله لعقدين لمناقشات ساخنة ومتوترة، في اغلب أمورها المفصلية كالمساءلات التاريخية، والشأن المالي والإداري والتنظيمي، وملف غموض قضية اغتيال ووفاة الزعيم، والبيروقراطية الحزبية، والفساد في السلطة والحركة. إن عشرين عاما أو أكثر بدون مساءلة مالية وإدارية بالتأكيد تركت سردابا عميقا من الملفات الضائعة، وبتعبير نبيل عمرو أن داخل الحركة ومؤتمرها ما لايقل عن عشرة آلاف خلاف، وهي بعضها مقسم على عشرين عاما وعشرات الفصائل والكتل، وغيرها من الجراحات الطويلة، بعضها بات شخصيا وعائليا وفئويا، ولكن المحنة الكبرى يبقى تنظيميا وفلسطينيا في كيفية حل الخلاف بين قطاعي غزة والضفة الغربية والخلاف بين أعضاء الحركة تنظيميا، والتي تقطعت أوصالها بين غزة ورام الله، تبقى مسألة أخلاقية مهمة لكل من يهمهم مستقبل الشعب الفلسطيني في هذه اللحظة التاريخية الحرجــة، أن يفكــروا مرتين، بـان الصراع بين حماس وفتح «أو السلطة في رام الله وغزة» لن يخدم قضية معقدة وفي ظل مواجهة نظام شرس يستفيد من كل التناقضات الممكنة للنفاذ بشروطه ومطالبه فارضا على الشعب الفلسطيني المزيد من التنازلات القادمة.
 
صحيفة الايام
25 اغسطس 2009