المنشور

لحم من أجل أفغانستان

تتبارى الأصوات في شهر رمضان للتبرعات ومساعدة الفقراء، وتكثر الصناديق وتصبح الزكاة في الذروة.
لو أن المسألة مسألة لحم وأرز وسكر لهان الأمر.
فما أكثر السلال التي تمتلئ بالبقايا ولو وزعت على فقراء الهند والسند المتضورعين جوعاً لانقذت الكثيرين!
الخليج والجزيرة العربية مثل مأدبة كبرى باذخة وسط حشود من جياع الشعوب والقارات الفقيرة المتذابحة على اللحم والعظم والانفجارات والحروب تشتعل بينها.
في الجزيرة والخليج تجرى فيهما سياسة “الشفط” لكل شيء بسرعة، كأن الجميع في سرعة من أمرهم لالتهام كل ذرة تنتج قيمة وفائدة! النفط والغاز والنقود والرمال والشواطئ والنخيل والجزر والأيدي العاملة والدجاج والسرطانات البحرية والهوامير والقواقع.
اقصى سياسات الخير نحو الجيران هي إرسال البطانيات وأكياس الأرز.
البلدان المحيطة بها المتقاتلة على كل شبر بالدبابات لا تعنيها، إلا عبر صناديق التبرع و(ساعد أخاك المسلم)، وحين يلقي الإنسان قطعة نقد صغيرة يرتاح كثيراً وهو يرى المجازرَ على الشاشة.
المسئولون مثل الشعوب يتطلعون لمذابح اليمن ويصدرون تعليقا سياسيا بعد مؤتمر انعقدَ متأخراً بسببِ الانشغالات الكثيرة وبعد أن كادتْ المذبحة أن تنهي نصف الشعب، ويدعون فيه إلى احترام الحدود والقوانين المرعية والأخوة وغير هذا من الكلمات العامة التي تعني كل شيء ولا تعني شيئاً محدداً.
الخليج والجزيرة العربية اللذان يضعان ربعَ احتياطي الذهب في الولايات المتحدة يرسلان البطانيات وصناديقَ البطاطس إلى أفغانستان فمادامت المعارك بعيدة، فلماذا نلزمُ أنفسنا ببناء المدارس والمصانع في الجارة التعسة الأخت الممزقة التي تتخاطفها الذئاب افغانستان؟”.
أجل هل يستحق ابناء وبنات الشعب الافغاني أن نفكر في بناء مدارس لهم؟
لماذا نغير عاداتهم ونزيل زراعتهم للخشخاش ونساعدهم على زراعة الأرز وقصب السكر والقمح؟
افغانستان بعيدة، بيننا وبينها محيط وبحر، فنحن في امان، وحين نزيل بحر النفط و”نشفط” الغاز ومحيط المعسل وجبال الكباب والتكة والهريس يكون الشعب الإفغاني قد زال.
كل ما يلزمنا هو صناديق صغيرة نجمع فيها الفلوس والدموع والألحفة والأدعية، وهي تمثل سياسة حكيمة وبعيدة النظر، ويمكن كذلك أن يتوجه بعضها إلى اخوتنا في طالبان، ومن يدري قد يحكمون مستقبلاً فنكون قد اصطدنا عدة نمور بحصالات واحدة.
هل تقوم المعاهد والجامعات ووزارات الخارجية الخليجية بقراءة ودراسة جيراننا المقلقين هؤلاء؟
هل ذهبت بعثة لاستقصاء الأوضاع في الصومال أو اليمن أو بحر العرب وتحدثت مع القراصنة العاطلين عن المذابح هناك؟
هل نحن خارج غرب آسيا أم نحن في جنوب شرقي آسيا؟
أم نحن في القارة الهندية تحديداً؟
أم نحن في الفراغ وفي محال كنتاكي؟
هل عُقدت ندوات لمتابعة ما يجري حولنا وآثار التحولات في إيران وغيرها من الدول الكبيرة المؤثرة وكيفية مساعدة الشعوب على النهضة والديمقراطية والتنوير؟
لا ، هناك شغل من نوع آخر، شغل “الشفط” للثروات وملء الشواطئ بالأبنية والمخلفات، وزيادة الأسعار والاستقدام لبؤساء مناطق بعيدة لا تعنينا كثيراً، وإرسال الفلوس لها، وترك العراق يحترق.
ولكن ماذا نقول إذا كانت الجزيرة العربية غير قادرة على مساعدة أجزائها الداخلية وتنمية صلاتها الاقتصادية وتشكيل تجمع اقتصادي – اجتماعي متطور متعاضد هل تستطيع أن تكون لها سياسة فاعلة كبيرة في المنطقة؟
رغم أنها أفضل منطقة عربية متعاونة ولم تنشأ بينها في الزمن الحالي سياسة عنف، فإنها تمشي بخطوات السلحفاة فيما تتطلب التحديات الإقليمية والتطورات الصاروخية العالمية سياسة فيها بعض القفزات والخيال الإبداعي.

صحيفة اخبار الخليج
24 اغسطس 2009