المنشور

المصالح المالية الفرنسية في مصر

مع ان بريطانيا تمكنت من بسط نفوذها على مصر عام 1882م وابقت السيادة العثمانية – التركية عليها شكلية، الا ان فرنسا منافستها الرئيسية على مناطق النفوذ فيما بات يعرف بعدئذ بـ “الشرق الاوسط” ظلت تزاحمها في مضمار المصالح والاستثمارات المالية والمصرفية. ووظفت فرنسا الدين الخارجي المكبلة به مصر لخدمة تلك المصالح فقامت بتوظيف جزء كبير من أموالها في مؤسسات عامة مصرية كشركة السجائر ومؤسسة التكرير، وشركة لوبون للإنارة، وشركة تراموى الاسكندرية، وشركة مياه القاهرة.
وقبل ذلك وفي عام 1880م تحديداً، أي قبل عامين من الاحتلال الانجليزي لمصر، تم تأسيس بنك التسليف العقاري المصري تحت رعاية البارون الفرنسي دو سوبيرمان الذي كان حينذاك رئيسا في الوقت نفسه لبنك التسليف العقاري في بلاده، وجرى انشاء البنك المصري بدعم من مصرفيين فرنسيين وأوروبيين بالتعاون مع الكريدي ليونيه والشركة العامة، و”باريباس”. وفي بداية التأسيس كان رأسمال البنك 20 مليون فرنك، ثم ارتفع الى أربعة اضعاف حيث بلغ عام 1902م 80 مليون فرنك، وقدرت القيمة الاسمية الخاصة بالبنك التي صدرت في فرنسا بما يقرب من 300 مليون فرنك. والحال فقد قدر حجم الاستثمارات الفرنسية في المؤسسات المصرية كافة بـ60% من الرساميل هذا غير حجم القروض الممنوحة للدولة التي قدرت حينذاك بـ40%.
هذا التغلغل الرأسمالي الفرنسي في مصر ابان بواكير الاحتلال الانجليزي لمصر في اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين دفع المستثمرين الانجليز المرتبطة والمتداخلة مصالحهم مع سلطات الاحتلال التي تمثل دولتهم الى ان يسددوا شراء العديد من حاجياتهم وتجهيزاتهم بالفرنك الفرنسي وبخاصة في القطاعات المربحة.
وإزاء هذين النفوذ والتغلغل المالي الفرنسيين كان لابد ان ينعكس ذلك على حجم تجارة فرنسا مع مصر فقد تطورت هذه التجارة من 60 مليون فرنك عام 1897م الى 70 مليونا عام 1902م، بما يعادل 12% من نسبة اجمالي التجارة الخارجية الفرنسية. ولما كان رأس المال جبانا، كما يقال، فإنه وبالرغم من هذه النجاحات التي حققها التغلغل الرأسمالي الفرنسي في مصر خلال تلك الفترة بين اواخر القرن الـ19م وأوائل القرن الـ20م فإن القوى والاوساط المالية الفرنسية حينذاك كانت تشعر بشيء من القلق حول مستقبل استقرار الاوضاع المالية بالترابط مع الاوضاع السياسية الداخلية والخارجية لمصر حتى بالرغم من تقاسم النفوذ المالي بين فرنسا وبريطانيا في مصر حينذاك برضا وقبول الاخيرة التي تبسط احتلالها العسكري على ارض الكنانة.
والملاحظ، حسب تحليل الباحث الفرنسي جاك توبي لتلك الفترة التاريخية التي مرت بها مصر ماليا واقتصاديا، ان المؤسسات المالية للديون الرهنية العقارية والارضية كانت تمتص 5،55% من الرساميل المخصصة للمؤسسات المصرية في حين اقتصر القطاع الصناعي على المواصلات والخدمات المدنية والصناعات الغذائية، وبلغت حصته 5،44% من استثمار المؤسسات المالية أي 25% من اجمالي الاستثمارات الفرنسية في مصر.
ومع ذلك وعلى الرغم من قلق الرأسماليين الفرنسيين من تعرض مصالحهم للاضطرابات الاقتصادية والأمنية السياسية حينذاك، فإنهم كانوا يجدون في الوجود العسكري البريطاني في مصر مظلة أمنية او كلب حراسة لحماية استثماراتهم المالية هناك.

صحيفة اخبار الخليج
21 اغسطس 2009