المنشور

حروب الرأسماليات الحكومية الشرقية

إذا كانت الحرب هي شكلٌ آخر للفعل السياسي، يتصف بالوحشية، فقد كانت الحرب هي أداة الرأسماليات الخاصة الغربية في التوسع وفتح الأسواق وتغيير حصص المستعمرات، ولهذا فإن الحرب كانت ظاهرة ملازمة لظهور الرأسمالية في العالم، مثلها مثل أساليب الإنتاج الخاصة السابقة.
ولهذا فحين ظهرت وتوطدت الرأسماليات الحكومية الشرقية فقد دخلت في توطيد أنظمتها وإيجاد أسواقها.
لم يكن ظهور هذه الرأسماليات مشابها للطريقة الغربية، كما هو معروف، فقد كانت العباءات القومية والدينية والاشتراكية التي ترتديها هذه الرأسماليات مما يحول دون فهم أهدافها وبالتالي تحقيقها بوسائل سلمية، فقد اختلطت بتلك النعرات الحادة، واتخذت طابعاً تعصبياً ومقدساً.
وقد أعتبرت تلك الحركات والأنظمة من يعارض أفكارها يدخل ضمن معسكرات الخيانة والكفر وما إلى ذلك من صفات تـُدخل الجماعات في باب العدو الحربي، ويتحتم تصفيته بناءً على ذلك.
ومن هنا فقد تفجرت الحروب بين الحركات الأهلية وبين الحركات القومية والاشتراكية العربية بدعاوى تلك الأفكار، لكنها تحمل في ثناياها رغبة كل منها في السيطرة على السوق المحلية وإنشاء تجارب رأسمالية حكومية ذات هيمنة عسكرية، يحدوها في ذلك إنشاء الوحدة القومية والدينية بشكل عاطفي من دون رؤية عميقة.
ثم تفجرت بعض الحروب بين البلدان العربية والإسلامية نفسها، وظهرت بشكل سياسي ولم يكن لها مضمون عميق على طريقة حروب نابليون بونابرت في نشر الرأسمالية في دول أوروبا، بل كانت تمزيقاً متبادلاً وتدميراً للقوى المنتجة المحدودة لديها.
يعود القصور الأساسي لفشل قوى وأنظمة وحركات الرأسماليات الحكومية العربية والإسلامية وبالتالي حروبها، لضعف القوى المنتجة، وهذا يتجسد في الميدان العسكري بضعف التصنيع الحربي، وبالتالي فإن أغلب السلاح يكون مستورداً خاضعاً لشروط سياسية أو هو خاضع لميزان القوى العالمية.
إن الحروب العربية والإسلامية بسبب ضعف القاعدة الاقتصادية الإنتاجية وعدم حل قضايا التنمية فإن حروبها وبالاً عليها، فالحروب فيها ليست لها علاقة بتطوير التقنيات، فهناك حروب حدثت فيها قفزات تقنية وتطورت قوى تصنيعية لعبت دوراً هائلاً في الصناعة والاتصال كحروب الغرب التي طورت الطائرات والدبابات والأقمار الصناعية، كما أدت الحربُ الباردة إلى إلغاءِ فكرة الحرب بين المعسكرين وحتى أنه تم إلغاء فكرة المعسكرين ذاتها التي قامتْ على وهم ايديولوجي بين النمطين المختلفين من الرأسمالية الغربية والرأسمالية الشرقية.
ولهذا فإن الفراغ الاجتماعي الذي تشكل في الدول العربية والإسلامية وتوجه الحركات والأنظمة الدينية لاحتلال مسرح تاريخ المنطقة، جاء بأوهام ايديولوجية أكبر، بسبب أن الأفكار الدينية قادرة على التحليق بشكل أكبر، وبالتالي فإن الحروب تغدو أكبر وأخطر وأكثر دماراً.
ومن هنا تفجرت سلسلة من الحرب التمزيقية الواسعة للبلدان المتعددة خاصة إذا تشكلت حكومات رأسمالية ذات قبضة قوية في هذه الدول المتخلفة، ويؤدي ذلك فيما بعد إلى تمزيق الأقاليم المختلفة وصراعات القبائل والمذاهب والأمم.
وبسبب غياب الصناعات الثقيلة في هذه الدول التي تقومُ بتشكيلِ روابط اقتصادية موضوعية في هذه الدول ذات المساحة الواسعة، وبانتشار شراء الأسلحة الخفيفة تنتشر حروب العصابات التي هي شكلٌ موازٍ لضعف قوى الإنتاج والمواصلات وضعف الثقافة.
أما إذا كانت دولة دينية كبيرة ذات هياكل اقتصادية قوية فإن الطابع المذهبي السياسي المتشدد يقوم بالحفاظ على هيكل الدولة الكبيرة السياسي المتفتت، المتناقض داخلياً، الذي لم يتشكلْ عبر صهر أدوات التحويل الصناعي الثقيل، والديمقراطية، والثقافة المشتركة، ولهذا فإن الطابع العسكري للدولة يكون محفوفاً بالمخاطر، خاصة مع توجهات مذهبية سياسية هجومية متدخلة لتشكيل أمة دينية عابرة للحدود.
لكن ضعف الصناعة الثقيلة يترك بصمته على صناعة السلاح، وتلعب شروط استيراد السلاح دورها في تحجيم نمو القدرات العسكرية ومخاطرها على الدول.
ويتبدى ذلك خاصة في صناعة الصواريخ والأقمار الصناعية والسفن الحربية والغواصات، وقد قامت ألمانيا الهتلرية باختراق المجال الحيوي الأوروبي على مستوى التصنيع الحربي والحدود بفضل تطور الصناعة الثقيلة لديها، وتفتقد إيران مثل هذا المستوى الصناعي العام، والصناعي العسكري، وتحاول أن تقفز عبر القنبلة النووية، لكن نمو النضالية الديمقراطية جاءتْ معرقلة لمثل هذه المشروعات، وربما تحدث قفزة أخرى على مستوى الحكم لكن الوضع يسير في مآزق عبر طريق الشمولية، ولكن عبر الديمقراطية والوحدة القومية الإيرانية والتركيز في الصناعات المدنية والسلمية سوف تتمكن من حل تناقضاتها الكبيرة والسير بطريق التقدم الواسع.
أما الحركات العنفية والارهابية فإن مشروعاتها السياسية أكثر خطأ وتضييعاً لثروات وطاقات المسلمين البشرية، وهي عودة لحروب الاغتيال والكر والفر الدموية الصحراوية التي هي مضيعة للتاريخ والبشر.

صحيفة اخبار الخليج
17 اغسطس 2009