المنشور

رؤيتنا الاقتصادية والحقائق المربكة

كثيرا ما تفصح الأرقام والحقائق التي يتم نشرها محليا عن مدى الحاجة إلى تفكير مختلف تجاه الكثير من القضايا التنموية التي تبقى محل مداولات مجتمعية مستمرة، نتيجة ما تحدثه تلك الأرقام والحقائق من تماس مباشر وغير مباشر بقضايا التنمية وبرامجها المعلنة، وكثيرا ما تؤشر على مواطن خلل وسلبيات في التعاطي الرسمي أو الشعبي مع تلك الحقائق والأرقام. من بين تلك المؤشرات التي لا زالت ترمي بضلالها الكثيفة على الكثير من وجوه التنمية، تبرز مشاكل مثل البيروقراطية الرسمية، ونسبة النمو السكاني المضطرد، وانعكاسات ذلك على مستوى ونوعية الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع من تعليم وإسكان وبيئة وصحة وكهرباء وخدمات أخرى أساسية، هذا بالإضافة إلى ما يحدثه الفساد من خلل وتراجع معيق لمسار التنمية. كثيرة هي الأمثلة الممكن استعراضها هنا وما يرشح حولها من حقائق وإحصاءات رسمية، والتي نجتزىء من بينها ما أفصح عنه مصرف البحرين المركزي مؤخرا من خلال إحصائية إدارة الاستقرار المالي للربع الأول من العام الجاري، والتي بينت أن التوقعات الرسمية لعدد السيارات في المملكة سيصل مع حلول العام 2018 إلى أكثر من مليون سيارة، وأن نسبة الزيادة في عدد السيارات ستصل في الفترة بين 2003 حتى 2011 إلى 99%، ويتوقع أن تصل بحلول العام 2015 إلى 191%، كذلك توقعت الإحصائية أن يصل عدد السيارات مع نهاية العام الجاري إلى أكثر من ألف سيارة. كان المدير العام لإدارة المرور قد أكد مطلع العام الجاري على عدم قدرة شوارع وطرقات البحرين على استيعاب هذا العدد الهائل من السيارات الذي بلغ أكثر من 400 ألف سيارة مسجلة على الطرقات، في حين بلغ عدد رخص السياقة الجديدة في العام الماضي فقط أكثر من 21 ألف رخصة، متوقعا أيضا أن سرعة السيارات على الطرقات ستتناقص، تبعا لتلك الأرقام،على الرغم مما تقوم به وزارة الأشغال من مشاريع تطوير واسعة، تتمثل في الشوارع التي يفترض أن تكون سريعة ومن جسور وأنفاق. أعرف أن لغة الأرقام كثيرا ما تكون مملة للبعض، ولكن ليس هناك من مفر، فبالنظر إلى حجم ونوعية الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها في مرفق من المرافق الحيوية، والذي لا يمكن أن يؤخذ بمعزل عن بقية الخدمات التي تقدمها الدولة وتحظى بأولوية لدى المواطن، ونستطيع أن نؤشر على الكثير من الخدمات المقدمة من خلال قراءة بانورامية للمشهد العام لتلك الخدمات الأساسية، لنصل من خلالها إلى حقائق مخيفة، حقا يتعذر معها قبول طبيعة التعاطي الرسمي وحتى الشعبي معها. وهكذا يصبح مشروعا طرح الكثير من التساؤلات حول قدرة وجدوى الخطط والبرامج الحكومية تجاه مشاريع البنية التحتية من إسكان وكهرباء وصحة وتعليم وبيئة وتخطيط عمراني، خاصة إذا ما علمنا بطبيعة المعالجات المقترحة والتي لا ينقصها التعاطي البيروقراطي وشحة الموازنات وعجز الكثير منها عن القيام بمهماتها، وقبل هذا وذاك غياب نهج التخطيط القائم على دراسات علمية حقيقية. فها نحن نسمع عن قرب البدء في تنفيذ جسر البحرين-قطر والذي سيزيد من حدة الضغط المروري في شوارعنا وطرقاتنا لتصبح معه الجسور والأنفاق التي يتم إنشاءها الآن وكأنها غير مستوعبة لما سيجري من زيادة المركبات على الطرق، خاصة وأن الدراسات الأولية لخطوط القطارات المقترحة لا زالت تراوح في غرف الاجتماعات وأدراج المسؤولين وليس معلوما فيما إذا كانت ستوجد لها الميزانيات المطلوبة! على ذات المنوال يمكننا أن نفهم جدوى مختلف المشاريع ومدى قدرتها على أن تلبي الأهداف الموضوعة لها، خاصة وان كل المؤشرات تقول أن نسبة الزيادة السكانية باتت تلقي بثقلها ومصاعبها على الموارد العامة لتتسبب في تعطيل المشاريع الإسكانية التي تشكو هي الأخرى من شح الأراضي وضرورات اللجوء للاستملاك بكل ما يعنيه من تكلفة مالية باهضة، وكذا الحال بالنسبة لزيادة المدارس والمستشفيات وبقية المرافق. ليظل السؤال شاخصا يبحث عن إجابات شافية نتمنى أن لا يطول انتظارنا لها حول قدرة رؤية البحرين الإقتصادية 2030 على إحداث النقلة المأمولة ضد كل ذلك التداخل في المؤشرات والأرقام والحقائق التي أصبحت واقعا لا يمكننا كدولة الهروب منه.
 
صحيفة الايام
16 اغسطس 2009