المنشور

مخاطر إستيلاء الحرس “الثوري” على السلطة

مازلنا نقتربُ من فوهةِ البركان، المفتوحة على استيلاء الحرس الثوري على السلطة في إيران بشكل كامل.
ويعبر بقاء المعارضة صامدة رغم الملاحقات الشوارعية بمختلف أشكال القمع، والتغلغل في البيوت وضرب الآمنين والمحتجين، والقيام وإجراء المحاكمات القاسية، عن جانبين متصارعين لم يحسم أي منهما المعركة لصالحه.
المعارضة من جانبها تتسلل إلى الطرائق السلمية، وتبتكرُ أشكالا نضالية ذكية، مثل الاحتفال بالمناسبات الوطنية التي استعيدت فيها ذاكرة إيران الوطنية كما جرى في ذلك عن ذكرى مصدق وعن الثورة المشروطية، وهي ومثلها تؤكد ان سجلات الكفاح الشعبية لا تقتصر على الفريق الديني، كما توجهت المعارضة لتكوين تشكيل جبهوي واسع من القوى الديمقراطية المختلفة.
وهذا يؤكد من جانب المعارضة نياتها في تصعيد يعتمد على تحريك القوى العريضة من الناس بأساليب ديمقراطية، تؤدي إلى الضغوط المستمرة على النظام من أجل تغيير نتيجة الانتخابات، أو فتح باب التغييرات ووضع حد لسيطرة الفريق الديني المتشدد على السلطة.
وبدا واضحاً أن هيئة وزارة الداخلية لم تعد تستطيع السيطرة على الأوضاع المنفلتة تدريجيا، وتمت تنحية وزير الداخلية الذي لم يكن متشدداً، وظهرت انتقادات رئيس الجمهورية “المنتخب” في العلن له ثم احتل الوزارة بنفسه وقام بـ “تطهيرات”.
وهكذا فإن القبضة “السلطوية” العسكرية تتوغل عبر الشوارع والحارات ثم تتغلغل عبر الأجهزة العليا، ويغدو الرئيس هو أيضا رئيساً للاستخبارات، الذي ثبت باعتباره الجهاز الأقوى، والقائد لبقية الأسلحة.
إن نمو الحرس الثوري الذي ظهر من حرب عارضة مؤقتة هي الحرب التي فرضها نظام العراق السابق، حولها إلى شيء أبدي، فكان لابد أن ينتهي مع هذه الحرب الجانبية العرضية، لكنه ظهر منها ليبقى، وليصبح السلطة المتنامية.
وقد تم رفض التحاقه بالجيش النظامي، وتتضارب الأرقام في أعداده بين مائة وخمسين ألفاً وبين مائتين، فيبدو كتشكيلة هلامية، بين الانضباط وحياة الشارع، وتم تحويله إلى قوة عسكرية – سياسية وربطه بالمرشد الأعلى، مما عبر عن اندغامه بالسلطة الأيديولوجية وهو ما يؤهله لانتزاعها قريباً.
تطور من معارك مدن، حتى سُلح بشكل كامل، وأعطي مهمات الحراسة الاستراتيجية كما لو كان شرطة، كحراسة المناطق الحدودية والمنشآت السرية، وحماية مضيق هرمز وتطوير نظم الصواريخ.
ومنه قوات الحرس الثوري (الباسيج) فهو أحد تشكيلاته وبمعنى “الحشد” واستخدم بشكل مباشر في القمع.
“كذلك أجاد الحرس الثوري إقامة علاقات وطيدة بينه وبين مصادر إنتاج الثروة، فوفقاً لعالم الاجتماع الإيراني شمس الواعظين، فإن المشروعات الاقتصادية التي تتجاوز 10 ملايين دولار فما فوق كلها تقريباً بشكل شبه مطلق بيد الحرس الثوري، كما أصبح القادة السابقون في الحرس متسيدين مجالي النفط والغاز”، (الشرق الأوسط، مقالة محمد عبده حسنين).
بدا واضحاً خلال هذا الصراع عدم تمكن القمع العسكري من وأد المعارضة المدنية.
ثمة جذور شعبية كبيرة للنضال وسط الجمهور الإيراني، وتلك المعركة الباسلة الهائلة ضد الشاه من غير الممكن تحقيقها ضد الجمهور ولا ضد النظام، لسبب بسيط هو أن الخندقين هما ابناء شعب واحد، وقضيتهما واحدة، وأن الحرس يفتعل معارك خارجية ليتكئ بها على مشروعاته الذاتية الاستغلالية التي تجاوز بها سقف الشعب وقدراته على العمل والادخار والصمت على الظروف المعيشية الصعبة.
ويسبب ضعف قوى الإنتاج وخاصة العسكرية كعدم وجود مشروعات فضاء أو لعدم كون الحرس وزارة تجارة خارجية لتوجيه بضائعه إلى السوق الدولية، في جعل قيادة الحرس تفتعل معارك ثورية وتغلي وضع المنطقة وتفكر في القنبلة النووية من أجل بقائِها كبائعٍ محتكرٍ وفوق القانون في حياة الشعب الإيراني.
ولكن هذا الطابع المغاير لنضالية الأئمة والشعب يمثل تضاداً مع قيمهم الروحية، السلمية، التعاونية مع الأمم، ومن الممكن حصرها وعزلها كلما أمكن تصاعد الأصوات، ومن الممكن حتى تقديم البدائل للحرس وللتجارة الخارجية مع إيران بدلاً من الانجرار الأعمى للعقوبات، التي تغدو مساعدة جيدة تعبوية للحرس.
إنه حتى المرشد الأعلى وأسرته والعديد من قوى الدينيين سيكونون معرضين لمخاطر تنامي قوة الحرس في الأيام القادمة ولانقلابه، الذي سيجد نفسه متوجهاً للاستيلاء الكامل على السلطة، بعد أن انهارت قوى المدنيين وابناء الثورة الأخيرين المتشبثين ببقايا التقاليد الديمقراطية، ولم يعرفوا قوانينَ تنامي الصراعات الطبقية، وكون من يملك هو من يحكم، وعاشوا في فكر خيالي سياسي، صبغوه برومانسية دينية، حتى تفجر الخلاف بين من يملكون ومن هم مستأجرون ومن هم أدوات مرحلية.
ويؤدي الطابع العسكري للملكية العامة الإيرانية إلى مخاطر الحروب، ويعبر حجم القوة البحرية للحرس الإيراني التي تبلغ 20% من قدرته، عن أن تكون قوة ضعيفة نسبيا، كما أن القوة البرية الواسعة، مفرقة بين البر الإيراني الواسع، ولهذا فهو في موقف ضعيف، وتوجهه للخيارات السلمية أفضل له، وهذا يحتاج إلى قوى دولية تعرض جسور السلام وعلاقات التعاون المفيدة بدلاً من التلويح بالعقوبات والضربات، ولكن إذا تشبث بانتحاره فسوف يكون بين جبهتين: جبهة شعبية داخلية وجبهة عالمية.
لقد أدت الصراعاتُ بين الدينيين إلى صعود الحرس الذي غدا هو القوة العسكرية الحاسمة في شؤون الصراع السياسي.

صحيفة اخبار الخليج
13 اغسطس 2009