المنشور

في تفعيل العلاقات الثقافية الروسية العربية

قبل فترة وجيزة كتبت مقالاً نشر في هذه الزاوية عن أهمية انشاء جمعيات او روابط للخريجين الجامعيين من البلدان العربية والاجنبية المختلفة ليستعيدوا من خلالها ليس فقط ذكرياتهم خلال الحياة الطلابية في الخارج المفعمة بالحيوية والنشاط في تلك المرحلة العمرية الشبابية الجميلة، بل ان تكون مثل هذه الجمعيات والروابط بمثابة اطر تنظيمية أو مؤسسية تؤطر وتنظم انشطتهم واعمالهم ومواهبهم فيما يفيد حياتهم الاجتماعية والوطن بوجه عام، ومن هذه الروابط التي اشرت بالحاجة إلى انشائها رابطة لخريجي الاتحاد السوفييتي الذين ينوف تعدادهم اليوم على 600 خريج، ان صح تقديري، ناهيك عن ان عدداً منهم متزوج من روسيات او من جنسيات الجمهوريات السابقة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي قبل انهياره وتفكك تلك الجمهوريات. وبالتالي فإنه باستطاعة هؤلاء النسوة ان يشكلن بالتنسيق مع ازواجهن رابطة نسوية خاصة بهن الى جانب رابطة الخريجين البحرينيين من الاتحاد السوفييتي وكلتا الرابطتين تستطيع ان تلعب دوراً في مد جسور العلاقات المختلفة مع روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة وتوثيق هذه العلاقات في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية بما يعود بالنفع على كلا الطرفين. لكن للأسف لا يبدو حتى الآن ان احداً قد التقط الفكرة لدراستها وبلورتها.
وفي الآونة الاخيرة، وتحديداً في أواخر شهر يوليو الفائت شاهدت بالمصادفة حلقة من البرنامج القيم الذي تبثه قناة “روسيا اليوم” تحت عنوان “بانوراما” والذي يديره بكفاءة الاعلامي الروسي الشاب القدير والمتميز ارتيوم كابشوك ذو القدرة على التحدث والتحاور بلغة عربية سليمة بطلاقة مدهشة.
كان موضوع الحلقة الذي جاء تحت عنوان “الثقافة الروسية.. هل ستعود الى العالم العربي؟” حول آفاق توصيل الثقافة الروسية الى الشعوب العربية في ظل الظروف الراهنة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وفي ظل تزايد تأثير مظاهر العولمة باللغة الانجليزية نحو العالم الثالث وبضمنه دولنا العربية.
وفي الحلقة جرى حوار مسهب حول الحاجة إلى إجراء حوار ثقافي روسي عن مدى امكانية ان تكون اللغة الروسية ندة او مزاحمة للغة الانجليزية في عالمنا العربي لكي يمكن بالتالي تعريف المجتمعات العربية بجوانب الثقافة الروسية، وبخاصة في ضوء البعد الجغرافي الذي يفصل روسيا عن العالم العربي، ومن ثم يمكن لكلتا الثقافتين الروسية والعربية ان تتلاقح بما هو مفيد لكلتيهما وفي سياق الحفاظ على خصائص وسمات كل منهما، وفي هذا السياق يشير مقدم البرنامج الى ان العديد من المثقفين العرب قد تأثروا في كتاباتهم وابداعاتهم بنتاجات وكتابات كبار الادباء والمبدعين الروس من أمثال تولستوي وبوشكين ودوستويفسكي وتشيخوف، كما ان السينما والرواية العربيتين تأثرتا هما الاخريان بالروايات الروسية. كما يؤكد مقدم البرنامج ان اساتذة وخريجي الجامعات السوفييتية كان لهم دور مهم في رفد البلدان العربية التي قدموا منها بكوادر من الخريجين المتميزين في فن الاخراج المسرحي والفنون التشكيلية.
وكان للعلماء والاساتذة الروس، على حد تعبير مقدم البرنامج ذاته، فضل في اعداد وتأهيل عشرات الآلاف من الاختصاصيين العرب في مختلف المجالات.. وهنا يصل المتحدث نفسه وهو معد البرنامج الى بيت القصيد مما نحن بصدده بشأن أهمية انشاء الروابط الطلابية لخريجي الجامعات العربية والاجنبية فيقول:
“ورغم صعوبة التسعينيات نرى ان التعاون الثقافي العربي – الروسي قد تجاوز تلك المرحلة، وهو الآن يتطور بنجاح من جديد حيث تم تفعيل نشاط المراكز الثقافية والعلمية الروسية العاملة في بعض الاقطار العربية. ويعود دور ملحوظ في الاتصالات الثقافية الثنائية لروابط خريجي المعاهد السوفييتية والروسية التي درس فيها عشرات الآلاف من الطلبة العرب”.
فهل نأمل ان يكون لخريجينا البحرينيين من الجامعات السوفييتية دور ملموس من خلال انشاء جمعيتهم او رابطتهم الخاصة في الجهود الروسية والعربية المبذولة لاحياء وتنشيط الروابط الثقافية بين الامتين العربية والروسية المعروفتين بعراقة ثقافة وتراث كل منهما وبصلاتهما التاريخية المشتركة؟

صحيفة اخبار الخليج
9 اغسطس 2009